أسطورة “السيف الأملح”

-١-

كيف اختلفت “النخبة المثقفة” السعودية حول اليوم الوطني؟

الجواب بسيط: كان الخلاف حول سؤال: هل الوطن هو الحكومة أم أنه أكبر بكثير من الحكومة؟ وتحول الخلاف من كونه خلافا بين وجهات نظر، إلى معيارا يتم بواسطته توزيع الأحكام على الآراء، فمن يستغل اليوم الوطني من أجل صب المدائح على الحكومة أصبح مرتزقا، بوقا، أو وطنيا حقا؛ أما ذاك الذي يؤكد على أن الوطن أكبر من الحكومة، ويدعو لأن يكون هذا اليوم إعادة تأكيد على الإصلاحات المطلوبة من الحكومة، اعتبر نفسه أنه هو الوطني حقا، والإصلاحي، وقد يُنظر إليه بأنه محرض ومحاولا لشقّ الصف.

ما يهم هنا ليس السهولة التي تتحول فيها الخلافات الفكرية السعودية إلى مناسبات تبادل شتائم وتخوين وتكفير؛ ما هو شديد الأهمية في هذا الخلاف حول اليوم الوطني، أن الفريقين – شاءو أم أبو- منشغلين بالحكومة أكثر من انشغالهم في “ما يعنيه هذا اليوم”. فمهما جادل ذاك الذي يؤكد على أن الوطن أكبر من الحكومة، فهو إنما يفعل ليسمح لنفسه انتقاد الحكومة دون أن يحسب نقده هذا نقدا للوطن، الأمر الذي يستتبع الخيانة.

وإذا كان انشغال “النخبة المثقفة” في اليوم الوطني يتكشف بسهولة عن انشغال بالحكومة- أي بالحاضر- فهذا لا يعني أكثر من تفريغ “اليوم الوطني” من محتواه. Continue reading

حول “المحاكمات”؟

-١-

اعتدت عندما أريد أن أعرف تاريخ اليوم بالتقويم الهجري أن أدخل إلى موقع صحيفة الرياض لأعرف تاريخ اليوم، ونادرا ما يسرق انتباهي أحد مانشيتاتها العريضة. لكن ما حدث اليوم انتهى بي إلى أن أعزم على كتابة إجابة على هذا السؤال الذي كثيرا- على الرغم من بداهته وبساطته ووضوحه- ما نبعت منه اختلافات عجيبة وغريبة لا منبع لها سوى الجهل بمعنى أن يكون المرء “مواطنا في دولة حديثة”، الحقيقة الواضحة واليومية التي لا يفعل السعوديون شيئا أكثر من إنكارها، أو -ببساطة- عدم إدراكها.

في اليسار من الصفحة الرئيسية داخل مربع “ملفات خاصة”، نجد ملفين يندرجان تحت هذين العنوانين: “الرئيس خلف القضبان”- وتعريفه “ملف تفاعلي يرصد مجريات محاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك…”- و “محاكمة الإرهاب” – وهو الآخر يعرف بالتالي “ملف تفاعلي لمحاكمة الفئة الضالة”. عندما قرأت الأول، تذكرت الاعتراضات المتكاثرة التي انتشرت في تويتر بخصوص محاكمة مبارك، اعتراضات تحكم غالبيتها ثيمة ترى في هذه المحاكمة “إهانة” للرئيس المخلوع. الأمر الذي جعلني ايضا استعيد الصورة النمطية التي تم فيها تصوير “محاكمة حميدان التركي” باعتبارها محض مسرحية لأحكام أعدت سلفا هدفها النيل من رجل لم تكن جريرته سوى الدعوة إلى الإسلام. Continue reading

أين هم الطيّبون؟

مطلع القرن العشرين، بعيد الحرب العالمية الأولى عندما انطلقت الثورة الروسية وتابع الإيرلنديون كفاحهم من أجل الاستقلال عن بريطانيا، كتب الشاعر الإيرلندي “ييتس” قصيدته “المجيء الثاني” التي يقول فيها هذا البيت:

أفضل الناس يفتقرون إلى الإيمان، أما أسوأهم

فيفعفهم شغف مشبوب.*

وهذا البيت يلخص باقتدار حالة من يدعون إلى الإصلاح في السعودية بمعناه العام – بكافة معانيه ومن مختلف الأطياف- حيث أنهم، وعلى الرغم من شرعية ما يدعون إليه ويطالبون به إلى أن إيمانهم به يكاد يكون فقيرا، في حين أن غيرهم من المنتفعين واليمينيين والمحافظين ممتلئين بالطاقة والحماس ويعملون في كافة الأطياف والمجالات من أجل بثّ حجج وصور ودعايات مضادة للإصلاح. Continue reading