حول “نظرية المؤامرة”

باختصار، وبجملة واحدة، يمكن قول التالي: القول بوجود مؤامرة كونية ضد العرب تساوي رفض هذا القول. وهما متساويتان من جهة واحدة، ذلك أن كلاهما يعتبران تاريخ البشر منتج غير بشري، إنما هو نتيجة صراع الآلهة والشياطين.

سننتقل الآن للتفصيل.

لنبدأ من مثال بوعزيزي. Continue reading

هل قتل القذافي لأنه ظالم أم لأنه كافر؟

باعتقادي أن سؤال العنوان بهذه الصياغة: واضح، لكني أعرف جيدا أننا غالبا لا نقرأ ما هو مكتوب أكثر من قراءتنا لما نفترضه خلف الحروف المكتوبة أمام أعيننا. فالسؤال يقول “هل قتل”، إذن هو محصور بحادثة القتل نفسها، لا تسأل عن الثورة ككل، وإنما عن هذه اللحظة التي حدثت البارحة التي تم فيها قتل القذافي. وهو تساؤل لا ينمّ عن كثير حزن على القذافي، بل لا أخفي سعادتي من اختفاءه من عالمنا. أخيرا، وقبل أن أدلف إلى الموضوع، فيجب أن أؤكد أنه: لا، لا يمكن الجمع بين الإجابتين، كما سنرى لاحقا. Continue reading

أيهما أعظم محمد بو عزيزي أم ستيف جوبز؟

-١-

تلخص حنة أرندت الدافع الذي من أجله قام هيرودوتس- (أبو التاريخ) كما يسميه شيشرو- بكتابة تاريخ “الحروب الفارسية” بأنه أراد أن (يحتفظ بما يدين بوجوده للناس، خشية أن يتم طمسه من قبل الزمان، وليسبغ على الأفعال المجيدة والجميلة التي قام بها كل من الإغريق والبربر ما يليق بها من الإنعام، حتى تضمن تذكرها من قبل الأجيال القادمة وليصبح مجدهم مشعا عبر الأجيال) (Between Past and Future, 41).
على العكس من المؤرخ الحديث، كان المؤرخ القديم يرى دوره محصورا بتخليد الأعمال العظيمة، الأعمال التي لا تستطيع بنفسها الخلود، لكنها دوما بحاجة إلى المؤرخ أو الشاعر لتخليدها، وذلك عبر إدماجها في (الذاكرة). كيف يمكن أن تخلد لنا مقولة عظيمة كمقولة عمر بن الخطاب (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟) لو لم يكن هناك مؤرخين وجدوا أن من صميم عملهم إدراجها في الذاكرة.
إن من طبيعة أقوالنا وأفعالنا أنها زائلة. تمحي من الوجود بمجرد أن ننطق بالكلمة أو نقوم بالفعل. فهي ليست باقية كالجبال مثلا، التي يولد أحدنا ويموت وهي راسخة في مكانها لا يتمكن منها الزمان. أقوالنا وأفعالنا، لا تستطيع حتى أن تبقى مثلما تبقى (صناعاتنا)، Continue reading

إلى لبراليي الوهابية: نحن وطنيين غصب على اللي خلفوكم!

كتب تركي الحمد -الذي يتم تقديمه لنا باعتباره لبرالي ومتحرر وحداثي- في تويتر يقول: “قبل أن تكون سنيا أو شيعيا، ليبراليا أو إسلامويا. كن مواطنا أولا وافعل بعدها ما تشا، فالمواطنة حارس في داخلك على وحدة الوطن”. في حين “شرطي الوطنية” في تويتر: محمد آل الشيخ، كتب قائلا: “لست طائفيا وأربأ بنفسي أن أكون طائفيا. ولكن عندما يكون تسامحي ثقبا يلج منه الطائفيون لتمرير أجندات أجنبية سأكون الطائفي الأول بلا تردد”. هذه عينة بسيطة، لحملة كبيرة يقوم بها هذا النوع من اللبرالية الوهابية (كما سماهم يوما الصديق السمهري) – نستطيع تعداد الأسماء: تركي الحمد، محمد ال الشيخ، سعود الريس، سلطان القحطاني…إلخ- على كل شخص بأن يثبت وطنيته بأن يكون “الطائفي الأول بلا تردد”- حسب تعبير آل الشيخ- لما حدث في العوامية.

لكن ما هي هذه “الوطنية” التي “أزعجوا أمنا” فيها؟ Continue reading

لماذا يتحول بسهولة المواطن إلى مخبر مجاني؟

“إذا كان علي أن أخير بين أن أخون صديقي أو أن أخون وطني، فإني أتمنى أن أملك من الشجاعة ما يجعلني أخون وطني”

إدوارد فورستر

-١-

الحكومة في فرنسا تسمى “الجمهورية الخامسة”، أي أن الفرنسيين، منذ الثورة الفرنسية قبل مائتي عام، مرو بخمس جمهوريات، تخللتها ممالك وامبراطوريات واحتلالات. وعلى الرغم من تعاقب الحكومات هذا الذي مرت فيه البلاد، إلا أن “فرنسا” بقيت هي فرنسا، الوطن الذي يضم كل الفرنسيين. و لعل اللحظة التي تجلّت فيها الوطنية الفرنسية، كانت عندما احتلتها المانيا النازية، وتشكلت على الأثر حركة مقاومة عنيدة تدافع عن “فرنسا” على الرغم من انهيار الحكومة القديمة، وعلى الرغم كذلك من وجود حكومة فرنسية عميلة قام بانشائها الألمان. كانت حركة المقاومة هذه “وطنية” لأنها تدافع عن الوطن، الذي لا يعني مساحة جغرافية فقط، بل يعني بشكل رئيسي الفرنسيين- كاثوليكيهم وبروتستانتيهم، متدينهم وعلمانيهم، رجالهم ونسائهم-  الذين يسكنون قطعة الأرض هذه.

لم يكن قيام اسرائيل إعلانا عن عثور “أمة بلا وطن، على وطن بلا أمة”، بقدر ما كان إعلانا عن اقتلاع شعب كامل عن وطنهم. وهو أيضا كان إعلانا عن نضال طويل لهذا الشعب لأن يعود إلى وطنه، الذي وإن كان – باعتباره قطعة أرض- موجود في الخارطة، وإن قامت دولة فلسطينية على جزء صغير منه: لن تتم استعادته أبدا حتى يعود ناسه إليه.

فالوطن ليس حكومة، ليس قطعة جغرافية، بقدر ما هو – وبشكل جوهري: الناس- بكافة تنوعاتهم واختلافاتهم- الذين يعيشون فيه.

-٢-

يغار العاشق على حبيبته، يغار عليها عندما يرتاب في أن آخرا يشاركها فيه. وعلى الرغم من أن الغيرة أعظم علامة على الحب، إلا أنها أبدا لا تعتبر عذرا يبيح للشخص انتهاك حرمات الآخرين ودمائهم Continue reading