ثورة ليبيا: انتهت المرحلة الأسهل

كثيرون يعتقدون أن الثورة هي هذه الفترة التي يستغرقها الشعب للإطاحة بحكومته المستبدة، ولكن هذا غير صحيح: هذه هي مرحلة (التحرر) فقط، مرحلتها الأولى، ومرحلتها الأسهل أيضا. بعد ذلك تأتي مرحلة أخرى، أطول فترة، أقل إثارة، لكنها أصعب بكثير، وعليها وحدها يتوقف كل معنى الثورة، وهذه المرحلة هي مرحلة (الحرية). وفي هذا المجال سأتحدث عن ثلاث نقاط رئيسية:

١- التحرر شيء، والحرية شيء آخر

لنفرض أن شخصا ما مقيدا بسلاسل؛ هو الآن ليس حرا. وبعد عدة محاولات، استطاع التخلص من قيوده والهرب، وبدأ الذين قيدوه أول مرة بملاحقته. هو الآن (تحرر) من قيوده، لكنه هارب ومهدد بأنه في أية لحظة قد يتم القبض عليه وإعادته لتلك السلاسل، أي أنه ليس حر. هو (تحرر) من قيوده، لكنه لم يبن بعد ما به يستطيع منع الذين يلاحقونه من إعادته لقيوده، أي لم يبن المؤسسات التي تجعله يمارس (حريته).

من هذا المثال المجازي، نستطيع القول أن كل ما قامت به الثورة الليبية حتى الآن، كل الدماء التي أريقت، كل الشهداء الذين سقطوا، كل الخيارات التي اضطروا إليها- كالاستعانة بالناتو وغيرها-، كلها بمثابة التخلص من القيود، أي أنها فقط مرحلة التحرر. فهم حتى الآن ليسو أحرارا، بل هم في اللحظة التي فيها الحرية مهددة أكثر من غيرها، فإن لم يتم بناء المؤسسات التي تحميها، عاد الليبيين مجددا إلى القيود التي بذلوا الغالي والنفيس من أجل تحطيمها. فهم الآن يعيشون المرحلة التي قلّما استطاعت الشعوب الأخرى النجاة منها. Continue reading

Britain: Meaningless Politics Deserve Nothing But Meaningless Riots

There is a huge dispute among the English pundits on how to explain the spread of riots across the English cities last week. The leftist opinion, generally speaking, blames youngsters’  disenfranchisement and deprivation. They are generally seeing the events as a reflection of these kids’ economical and social status; a status, according to them, in which the government is responsible for the poor level that has reached. On the other hand, the rightist sociologists blame the “welfare state”, which they accuse of spoiling this generation and raising them with a kind of education which kept telling them that they can gain things without doing anything. They also attribute the cause of what has happened to the social and economical effects of the welfare state policies. Both sides share the government’s opinion, which sees nothing but pure criminality, that there is nothing “political” in these events but other social, economical or even psychological factors. Continue reading

في الفرق بين “الحدث” و “القصة” المرافقة له

قد تطل من نافذة عمارتك لترى في المواقف شجارا بين رجلين. بعد دقائق، يدخل أحد زملاء شقتك لتسأله عن الذي حدث فيقول لك “الرجل ذو القميص الأحمر ارتطم كتفه بكتف ذو القميص الأبيض، فلكمه هذا وبدأت مشاجرة بينهما”. بعد دقائق أخرى، يدخل الزميل الثالث فتسأله عن الذي حدث فيجيبك إجابة أخرى “أن الرجل ذو القميص الأحمر مروج مخدرات جاء ليبيع بضاعته على زبونه ذو القميص الأبيض، فأبى هذا أن يدفع كامل المبلغ، فنشب بينهما خلاف أدى الى الشجار”. ما هي القصة الصحيحة؟ قد تكون إحداهما، ولو كان لك زميل شقة ثالث، لربما كانت هناك ثلاث قصص حول الحدث نفسه.

قد يكون المثال السابق رديئا، Continue reading

بريطانيا: حيث السياسة العدمية تنتج شغبا عدميا

اختلف النقّاد البريطانيون في تفسير أعمال الشغب التي اندلعت هناك وما زالت مستمرة منذ الأسبوع الماضي. فبعض محللي اليسار نظروا لهؤلاء (العصابات)- كما يسميهم رئيس الوزراء كاميرون وكأنه صدى لتسميات الحكومات العربية للثوار الذين يقتلعون حريتهم من أعينها- باعتبارهم مجموعة من المحرومين والمتضعفين والمهمشين الذين انتفضوا كنتيجة لسياسات المحافظين الجدد الاقتصادية منذ اعتلاء مارجريت تاتشر سدة الحكم قبل ثلاثين عاما. أي أنهم لم يروا خلف هذه الأحداث إلا العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي (اضطرت) هؤلاء لأن يقوموا بأعمال العنف هذه. بالمقابل، وضع بعض كتاب اليمين كل اللوم على سياسات (دولة الرفاه) السائدة قبل تاتشر وعادت نسبيا في عهد بلير، كونها أنشأت جيلا حُقن فيه أنه بإمكانه أن يحصل على الأشياء دون أن يكدّ من أجلها، وأن المبالغة في حماية حقوقه الإنسانية تكاد تجعله معفيا من العقاب حال اقترافه جرما. نجد هنا أيضا، أن اليمينين يرجعون الأحداث لآثار سياسة دولة الرفاه الاجتماعية والاقتصادية. كلا الفريقين يتشاركون مع كاميرون – الذي بدوره لا يرى في الأحداث سوى (إجرام محض)- بأن لا شيء (سياسي) في هذه الأحداث انطلاقا من كونه لم ترفع شعارات وإنما محض تخريب للمتلكات. ومن هنا تحديدا، من انعدام المعنى السياسي فيها، من هذه العدمية، نجد فيها نحن ردا (عقلانيا) على عدمية السياسة البريطانية نفسها. فبحسب كارل بوبر- أحد أكبر المدافعين عن الديمقراطيات الغربية خصوصا تلك الموجودة في بريطانيا وأمريكا- فإن الديمقراطية ليست أبدا (حكم الشعب)، بل هي تحديدا النظام الذي يسمح بالإطاحة بحكومة دون إراقة أي دماء. وانطلاقا من هذه الزاوية، تتجلى عدمية أعمال الشغب هذه كتعبير لا يعكس أكثر من عدمية الديمقراطية البريطانية، أي بمعنى آخر انعدام كل الوسائل التي تطيح بالحكومة دون إراقة دماء لفاعليتها. Continue reading

بين ما هو “طائفي” وما هو “مناهض للطائفية”

أنا بوبريّ الهوى- نسبة لكارل بوبر- والذي إن تعلمت منه شيئا فهو تحاشي الخلاف حول الكلمات والتركيز على الخلاف في القضايا… وأن اللغة بقدر ما قد تكون وسيلة إيضاح وبيان، قد تكون أيضا وسيلة تشويش.. خصوصا بالنسبة للغة العربية التي تعاني مصطلحاتها من أزمة كبرى ترجع في جانب كبير منها إلى انعدام وجود مؤسسات اكاديمية عربية تقوم بحراسة وتطوير وتركيز هذه المفاهيم والمصطلحات. وانطلاقا من هذه الزاوية، سيكون نقاشي هنا لمصطلح الطائفية ليس محاولة لتحديد تعريف للكلمة، بقدر ما هو توضيح لبس أساسي قد يجعل شخصين يتكلمون عن موضوعين مختلفين فقط لأنهما يستخدمات المصطلح استخداما مطاطيا يجعله يستوعب أشياء لا يستوعبها. الأمر الذي حدث لي مكررا عندما أحاول مناقشة ثورة البحرين مع أفراد مختلفين وذلك تحديدا عندما يصل النقاش إلى مصطلح “الطائفية”. أعتقد أن هذا النقاش مهم أيضا، لكون المسألة الطائفية تحولت في زمن الثورات هذا إلى الأداة الوحيدة التي نجح بها نظام عربي إحباط ثورة قامت على أراضيه، في حين فشلت جميع الأدوات الأخرى: كالتخويف من الإسلاميين، والجماعات المسلحة، والعصابات، والفوضى وغيرها.

سأبدأ بوضع الأطروحة الرئيسية التي سأدافع عنها بعد ذلك، وهي كالتالي:

عندما نتحدث عن الطائفية فإننا نتحدث عن مسألة سياسية تتمكن فيها أو تسعى جماعة مذهبية إلى توظيف الدولة لخدمة مصالحها ضدا على جماعة أو جماعات مذهبية أخرى. Continue reading

ملاحظات على عضوان الأحمري

هذه مجموعة ملاحظات على تدوينة عضوان الأحمري “ماذا يفعل السعوديون في تويتر؟”، أكتبها انطلاقا من كوني أنا الذي قمت بفتح هاشتاق سعود الريس (alrayes#) بعد كتابته لمقالته- التي يحرض فيها الحكومة على الذين يختلفون معه بموضوع “المعتقلين” واصفا إياهم بـ”الصفويين” وأنهم “خطر” موزعا عليهم قائمة الأوصاف التالية: فاشل، رقاصات، ببغاء، سطحي، صعلوك، فهمه قاصر-  رقاصات pus..!. إذ أن عضوان وصف عملية “الهشتقة” هذه وأمثالها بأنها “حيلة العاجز في الإعلام الإجتماعي” معتبرا أن فتحه من أجل مهاجمة الأشخاص “قمة الرعونة والإقصاء”، ثم يعود ويكرر أن “الهاشتاق حيلة العاجز, وحتى لو لم يشتم فإنه فتح الباب لغيره ليشتموا ويتشمتوا كذلك”. من هذه الفقرات تحديدا، أحسست أني بمعنى ما معني بهذا الكلام، ولهذا أحببت مناقشة عضوان الأحمري – بتدوينة هذه المرة لأنه يبدو أن لديه حساسية مفرطة من الهاشتاق-  في عدة نقاط مختلفة باختلاف المواضيع التي تطرق إليها. فهو تقريبا تحدث عن ستة مواضيع متنوعة ومختلفة، كلها تقريبا لا علاقة بينها وبين عنوان التدوينة، فأنت ستخرج من تدوينته بأشياء كثيرة لكنك لن تخرج منها بإجابة واضحة عن ماذا يفعل السعوديين في تويتر(وكأن السعوديين نوع مختلف من البشر بحيث سيفعلون في تويتر شيئا آخر غير ما يفعله باقي البشر)، فهو تحدث تقريبا عن هذه المواضيع: Continue reading