عبور

شيكاغو

الأحد، ١٠ أكتوبر

أمي العزيزة،

شعرت بأني كالكلب عندما عبرت أمامك البارحة في وسط المدينة دون أن أتحدث معك. لكنك كنت رائعة، حيث لم تبد أي إشارة أنك حتى تعرفيني، وأبقيته خفيا أنني ابنك. لو لم تكن تلك الفتاة برفقتي، أماه، لربما تبادلت معك أطراف الحديث. فأنا لم أعد كما في السابق أخاف من أن يكتشف أحد أني ملون لمجرد أني شوهدت في الشارع أتبادل الحديث مع زنجية. أعتقد أن مظهري خارج كل الشبهات. تذكرين أنت كم كانت أياما عصيبة تلك الأيام التي كنت أحاول  فيها جهدي أن أقنع أساتذتي في المدرسة أنني حقا ملون.  لكنهم لا يصدقون، حتى بعد أن يقابلونك أنت يا أمي. وحسب اعتقادي أن كل ما خلصوا إليه أني ابن لأم ملونة. لكني منذ قررت اعتبار نفسي أبيضا، لم يشك أحد أبدا أني رجل أبيض. وفي عملي، لدي رئيس من الجنوب، لا يكف عن شتم الزنوج في حضوري، دون أن يتخيل أني واحد منهم.. يا للسخرية!

إنه لأمر مضحك يا أمي، كيف أن معظم البيض لا يحبون الملونين، هل يحبونهم؟ (لو كانوا يحبونهم، لما اضطررت لاعتبار نفسي أبيضا من أجل الحفاظ على عملي المجزي). بعض الأحيان يسترسلون في غيبة الملونين، معتبرين أيانا أجمعين لصوصا وكذابين، أو أننا معدين- بالسل أو الزهري، وما شابه ذلك. لا شك أنه من الصعب على رجل أسود أن يحصل على عمل مجزي مع هذا النوع من الدعاية الخاطئة المنتشرة حولنا. لم أصدق أبدا أنهم يعتبرونه طقسا أن يتحدثوا عنا بأمور بمثل هذا السوء إلا عندما قررت اعتبار نفسي واحدا منهم والاستماع لأحاديثهم وعيش حياتهم.

لكني لست مستاء من اعتبار نفسي “أبيضا”، أماه. لقد كان سخاء كريما منك تشجيعي للمضي قدما بأن استثمر بشرتي الفاتحة وشعري الناعم. الأمر الذي مكنني من الحصول على هذه الوظيفة، أماه، حيث ما زالت تدر علي ٦٥ دولار في الاسبوع على الرغم من انكماش السوق. وها أنذا في الطريق للترقية لأن أصبح مدير مكتب الرئيس، إذا ذهب السيد ويكس إلى واشنطن. عندما أشاهد الفتى الملون الحمال الذي يكنس المكتب، أفكر بأن هذا ما سأكونه لو لم أكن أفتح بشرة بالمقدار الذي يمنعني عن ذلك. لا يهم حجم الذكاء الذي يتمتع به هذا الفتى، فهم لن يعينوه كاتبا في المكتب، لن يفعلوا حتى لو علموا بهذا الذكاء. بل فقط سيعينوه حمالا. وهذا ما يجعلني بعض الأحيان منتشيا بالفرح لأني خدعت رئيسي، الذي ما حلم يوما أن مدير مكتبه ملونا.

ولكن، يا أماه، أنا فعلا شعرت بشعور سيء بخصوص البارحة. إنها المرة الأولى التي نلتقي بها في مكان عام هكذا. هذا الأمر الذي يجعل اعتبار نفسي أبيضا أمرا صعبا، يجعلني مضطرا لإنكار أهلي عندما أصادفهم. بالطبع، أعلم أنك وإياي نعلم أن هذا هو الأفضل للكل، ولكنه مع ذلك أمر مروع. أحبك، أماه، وأكره أن أقوم بذلك، حتى لو أنك قلت أنك لا تمانعين.

لكن، أماه، أخبريني، ما رأيك بالفتاة التي كانت برفقتي؟ إنها الفتاة التي سأتزوجها. لها طلة رائعة، أليس كذلك؟ مرتبة بشكل جميل. ووالداها أيضا أثرياء. هم ألمان-أمريكان، ولا يحملون أي مواقف مسبقة اتجاهنا. لقد أخذتها البارحة لمشاهدة عرض مسرحي لملونين، فوجدته رائعا. لقد قالت: “الداكنين أكثر رشاقة ومرحا”. ترى ماذا ستقول لو علمت أني كنت ملونا، أو نصف ملونا- أن شيخي الكبير كان أبيضا وأنت لست كذلك؟ لكني أعتقد أني لن أجازف بذلك. منذ أن حزمت أمري على العيش في عالم البيض، وطالما أني وجدت لي مكانا فيه (وهو مكان جيد)، لماذا علي أن أفكر بالعرق بعد الآن؟ أنا سعيد بأن ليس علي أن أفعل ذلك، أعلم ذلك يقينا.

آمل أن تشارلي و جلادلي لا يكنون لي مشاعر سيئة. إنه لأمر مضحك أن أكون أنا الوحيد من بين الأبناء بهذه الدرجة من البياض كي استطيع العبور لعالم البيض. تشارلي أدكن حتى منك أنت يا أماه. أنا أعلم أنه كان يستاء عندما يتعامل معي الأساتذة كأبيض قبل أن يعلموا أننا إخوة. لقد كنت أنا أيضا أشعر بالأسى حينها أيضا. لكن الآن أنا سعيد أنك دعمتني وقلت لي أن أمضي لأنال كل ما أستطيع من هذه الحياة. هذا تحديدا ما سأفعله أماه. سأتزوج كأبيض، وأعيش كأبيض، ولو ولد لي ولد داكن، فسأقسم أنه ليس مني. لن أعود لمستنقع الملونين مرة أخرة، لا ليس أنا… أنا حر، أماه، حر!

سيكون أمرا جميلا أيضا، لو تيسر لي الانتقال من شيكاجو. أن أنقل إلى مكتب نيويورك أو فرع الشركة في سان فرانسيسكو، إلى أي مكان حيث لا يمكن لحادثة الأمس أن تتكرر أبدا. كان أمرا سيئا العبور من أمامك دون الحديث معك. ولو كان جلاديز أو تشارلي هما من قابلاني في الشارع، فلن يكونا بمثل اللباقة التي كنتها، لأنهم كما يبدو لن يكونوا سعداء لعبوري لعالم البيض. ولكن لا أعلم لماذا، أنا لا أؤذيهم أبدا، كما أني أرسل لك المال كل أسبوع وأساعد بنفس المقدار الذي يساعدون به، إن لم يكن أكثر. أخبريهم ألا يسيئوا لي، أماه، وأن يقبلوا علي عندما أكون في مكان ما مع صاحبتي. ربما أنه كان من الأفضل لو أنك وإياهم بقيتم في سينيسيناتي وتركتوني أنا وحدي أذهب عندما اعتزمنا الرحيل بعد وفاة شيخنا. أو على الأقل أننا ذهبنا لمدن مختلفة، ألم يكن أفضل لو فعلنا ذلك؟

آآه يا أماه، عندما أتذكر كيف ترك أبي كل شيء لأسرته البيضاء، وأنك لم تستطيع فعل شيء لنا نحن الأطفال، فإن دمي يغلي. أنت لم تكن لديك تلك الفرصة في محكمة كنتاكي، أعلم ذلك، ولكن لو أنك حاولتي على الأقل، فإن أولاده البيض سيدفعون لك شيئا ليسكتوك. ربما لأنهم لن يريدوا أن تظهر في الأوراق الرسمية، بأن لهم إخوة ملونين. لكنك كنت فخورة جدا، أليس كذلك يا أماه؟ أنا لن أكون أبدا فخورا.

حسنا، هو ابتاع لك منزلا وارسلنا كلنا للمدرسة. أنا سعيد أني أنهيت دراستي في بيتسبرغ قبل وفاته. ولكنه كان أمرا سيئا لتشارلي وجلاديز أن ينسحبوا من إكمال الدراسة، ومع ذلك أتمنى أن يحظى تشارلي بعمل أفضل من ذلك العمل في الورشة. وبخصوص ما ذكرته في رسالتك الاخيرة بخصوص جلاديز، فأنا لا ألومك أن تكوني قلقة بخصوص رغبتها في أن تكون أحد جوقات ملاهي الساوث السايد. يا إلهي! لكني أعلم أنه فعلا أمر صعب على الفتيات الحصول على عمل في فترة الانكماش هذه، خصوصا للملونات، حتى لو كانت جلاديز فاتحة نوعا ما وذكية. لكن أتمنى أن تبقيها في المنزل، بعيدا عن حمقى الساوث السايد، لا يوجد مكان هناك لفتاة صالحة.

حسنا أماه، سأختم الآن لأني كنت قد وعدت حبيبتي أن أصطحبها للسينما هذه الليلة. أليست جميلة المنظر، بكل هذا الشقرة والعيون الزرقاء؟ نحن نخطط بخصوص بيتنا عندما نتزوج، سنأستأجر شقة صغيرة في النورث سايد، في حي جيد، من تلك التي لها شوارع منتظمة مزينة بالأشجار. سأقوم بوضع الرسالة في صندوق البريد، على كل، أنا سعيد بأنه ليس هناك ما يوقف تبادل الرسائل عبر حدود الألوان. حتى لو لم نكن نلتقي، فإننا نستطيع الكتابة، أليس كذلك أماه؟

مع الحب من ابنك

جاك

13 Responses

  1. شكرا جزيلا لهذه الترجمة للقصة الأقرب أن تكون من صدقها وتعبيرها واقعية والترجمة التي لا تكاد أن تكون ترجمة، لقد أبقت في القلب أثرا بالغا.

  2. أنا أقول إنه حقير ولا يستاهل دعم أمه له .. أجل بالبداية يتكلم عن نفسه إنه أسود وأنه فخور ويحاول يقنع أساتذته إنه أسود .. ثم يرجع يقول أبي أطلع نيويورك والا سان فرانسسكو عشان ما تتكرر السالفة مع أمه!!
    يعني يحس إن السود عار عليه الحين ! يوم تمكن صاروا نقص بنظره!
    حقير وناكر جميل .. ولو طنش أمه بدون ما يكت لخ هالرسالة كان أرحم من الكلام اللي قاله!

  3. أرى أنه جبان ولم يقدر على مواجهة المجتمع العنصري في ذاك للزمان، وكذلك خوفه على مصالحه الشخصية يجعله أناني بحق عائلته، وما يزيدني حرقتً وكأنه يلوم والدته على بعض قراراتها وهو يعلم كيف أن الملونين يجدون صعوبة في التعايش فكيف بأم تعيل أطفالاً، وأظن بكتابته لهذه الرسائل لوالدته لا أعتقد انه سعيد بحياته وانما من أجل التعايش فقط. وأي موقف أبشع وأشنع من هذا الموقف مروراً بجانب أمه ولايمكنه الحديث معها من أجل لون بشرتها 💔.
    بالنهاية آثر نفسه من أجل لون بشرته ولم يكترث لأحد وإن كانت مساعدته لعائلته بالمال فهذا لا يجعله مخلصاً ولا فرداً منهم.

  4. ترجمة واختيار بطل ومازالت موجودة الى الان بدرجة اخف ، مثل بعض فئات المجتمع السعودي والعربي عموماً تحاول تتخفى من اصلها او بتغيير اللهجة او غيره…

اترك رداً على نادية إلغاء الرد