منذ أسبوعين وأنا أتابع الخلاف الدائر حول قيادة المرأة: بين من يرى جوازها ومن يرى حرمتها، بين من يقبلها وبين من يرفضها أشد الرفض. حينها تساءلت: لماذا تكون قضية كقيادة المرأة للسيارة: قضية بهذه الحساسية، قضية مفصلية جدا إلى هذه الدرجة؟في رأيي أن الإجابة على هذا السؤال تقع خارج القضية نفسها، وتدور حول أمرين اثنين يحولان القضية من قضية تافهة جدا لا تحتمل كل هذا اللغط، إلى ما هي عليه من محورية. وهذان الامران هما: المرأة نفسها، ورمزية القضية.
فالمرأة في الوعي السعودي، عنصر حسّاس جدا.. نظرا للتركيبة الذكورية لهذا الوعي. فالقضايا التي تتعلق بهذه المرأة، تتحول تلقائيا إلى قضايا هوية. وما ذلك إلا للرمزية الكبيرة التي تحتلها في تشكيل المجتمع لهويته الذكورية. قيادة المرأة، قرار تأنيث محلات الملابس النسائية، الحجاب .. وغيرها من القضايا لا تطرح أبدا كقضايا فقهية معرفية او قضايا اجتماعية عادية، بل دائما تطرح على أنها قضايا تمس هوية المجتمع نفسه. وهكذا تحولت المرأة، الغائبة الوحيدة عن كل هذا الجدل، إلى معيار في تحديد مدى الحفاظ على المجتمع، فطالما أن المرأة “محافظ” عليها، فهذا يعني أن المجتمع وهويته محافظ عليهما.
وإضافة إلى هذه العلاقة بين المرأة والهوية، هناك أمر آخر يصعد من أهمية قضية قيادة المرأة وهو ارتباط المطالبة بهذه القيادة بمجموعة مطالبات التيّار التحديثي المتهم دائما في سعيه إلى تغريب المجتمع وطمس هويته. فتحولت هذه المطالبة إلى رمز يشير إلى ذلك التيّار. ومن هذا الجانب، واعتمادا على العقل التصنيفي الذي هو العقل السائد عند “المدافعين” عن وضع المرأة الحالي، يتم اعتبار هذه المطالبة ليست مطالبة أصيلة، لا تنوي خيرا بالمرأة، طالما أنها مطالبة “ليبرالية”، وهذه الأخيرة لا تستحضر إلا على أنها شرّ مطلق.
لهذين السببين تتحول مثل هذه القضيّة التافهة، إلى قضيّة كتب فيها السعوديون أكثر من كتاباتهم في التنمية وإصلاح الاوباء والمشاكل المستفحلة في نسيجهم الاجتماعي.