هل هناك أية منفعة من التحالف مع الكيان الصهيوني؟

ضجّت الصحف الغربيّة والصهيونية أخيراً بعناوين تتناول احتمالية بزوغ تعاون أو تحالف بين دول عربية والكيان الصهيوني. وعلى رغم أن هذه العناوين لا تستند إلى معطيات قويّة، إلا أن استطلاع الرأي ليس له قيمة علمية هنا، أو لقاء تطبيعي هناك بين أشخاص لا يحملون أية صفة رسمية، إلا أن مثل هذه الفكرة – أية فكرة التعاون أو التحالف بين أية دولة عربية مع الكيان الصهيوني – يجب مناقشتها بشكل جاد وتوضيح حجم المغالطات القائمة عليها.

لنبدأ أولاً بتقرير ما يرتقي إلى مستوى البديهي، فمبدئياً، وقبل الحديث عن المصالح والمفاسد، يُعتبر الكيان الصهيوني كياناً معادياً للأمة العربية، محتلاً لأراضيها، ومهجراً لملايين من شعوبها، وسبباً رئيساً لخلق الأزمات الطائفية في أوطانها، فالدولة اليهودية تريد دويلات دينية ومذهبية حولها حتى يبدو وضعها طبيعياً.

والكيان الصهيوني هو الدولة الوحيدة التي سبق أن احتلت وما زالت تحتل أراضي فلسطينية لبنانية وسورية ومصرية، وهو الدولة الوحيدة التي هاجمت أكبر عدد من البلدان العربية (مصر، العراق، تونس، سورية، الأردن، لبنان، فلسطين… إلى آخره). إن مشكلتنا مع إسرائيل – ويجب أن يكون هذا الأمر واضحاً – ليس في شكل نظام حكمها، أو سياساتها، أو جرائمها، بل مشكلتنا معها في وجودها، ذلك أن هذا الوجود قائم على اغتصاب أرضنا وحق شعبنا الفلسطيني.

ولو تفحصنا المبرر الرئيس في كل الحديث عن تحالف عربي مع الكيان الصهيوني لوجدناه يتلخص في أن هدفه هو التصدي للتهديد الذي تطرحه إيران على البلدان العربية، وذلك عبر الاستفادة من قوّة إسرائيل العسكرية، ونفوذها القوي الذي تتمتع به لدى القوى الغربية.

أولاً: هناك ورقتان رئيسيتان تعتمد عليهما إيران في بسط هيمنتها على البلدان العربيّة: تمثيل الإسلام، والممانعة. ولئن كانت قوتها في ادعاء تمثيل الإسلام في السابق، إلا أنها اليوم في أشد حالاتها سوءاً، ذلك أن تردي علاقاتها مع الحركات الإسلامية السنيّة، وتعويلها المتزايد على العنصر الطائفي الشيعي في حروبها، التي تخوضها لمصلحة حلفائها من الأنظمة المستبدة والعميلة في الهلال الخصيب، يطرح أمام بعض الدول العربية فرصة تاريخية؛ من أجل أن تقدم نفسها بشكل مختلف.

فإن بعض الدول العربية ومنها السعودية تستطيع توظيف مكانتها؛ باعتبارها موطن العرب الأصلي ومنبع الرسالة الإسلامية، وذلك من أجل خلق مشاريع عربية – إسلامية تقوم على تبني قضايا العرب، والاستجابة لتطلعاتهم ونصرة قضاياهم والارتقاء بهم. وفي هذا الميدان، أي ميدان التنافس على تمثيل الإسلام، لن يكون التحالف مع الكيان الصهيوني إلا تبذيراً لهذا الرأسمال الكبير، ونقطة ضعف لا يمكن سترها أو تعويضها بأي شكل من الأشكال.

أما ورقة الممانعة، فمن طريقها تقدم إيران نفسها باعتبارها الفريق الذي يريد تخليص المنطقة من الاحتلال الصهيوني والهيمنة الغربية، وذلك عبر تقديم الدعم والتسليح والتمويل للحركات المناهضة لهذا الاحتلال، أي أنها تستغل قضية عادلة من أجل بسط هيمنتها. وفي هذا المضمار، لن يكون التحالف مع الكيان الصهيوني سوى مشروع خاسر، بل أمر مساعد لتقوية النفوذ الإيراني. والأجدى من ذلك هو تبني سياسات بديلة تدعّم التكامل والاتحاد بين الدول العربية، وتُسهم في حرية الشعوب العربية ورفاهيتها، والسعي نحو الاستقلال عن التحالفات الأجنبية، وتقديم البديل العربي الداعم للقضية الفلسطينية.

ثانياً: وهي امتداد للنقطة السابقة، فإن ورقتي الهيمنة الإيرانية تدوران حول الكيان الصهيوني، فإيران تثبت إسلاميتها وممانعتها عبر دعمها للقضية الفلسطينية، ومن ثم ليس التحالف مع الكيان الصهيوني، بل في زيادة العداء له وتحمّل أعباء مواجهته تكمن أفضل طرق قصقصة أذرع إيران في المنطقة.

ثالثاً: إن الصراع مع إيران ليس صراعاً عسكرياً مادياً فقط، بل هو صراع رمزي أيضاً، والجانب الرمزي فيه يلعب دوراً أشد من الجانب العسكري، وفي هذا الجانب الرمزي لا يمثل التحالف مع الكيان الصهيوني إلا خسارة وعبئاً.

رابعاً: أن الصراع مع إيران ليس صراعاً وجودياً، بل صراع مع سياسات الهيمنة التي يمارسها نظامها الحالي على المنطقة العربية. وعلى رغم أن مواجهة هذه السياسة أمر واجب وضروري، إلا أن هناك الكثير مما يمكن عمله من أجل تجاوز حالة الصراع هذه. في المقابل عداؤنا للكيان الصهيوني هو عداء وجودي لا يمكن قبول أية تسوية معه.

أخيراً، النظر للكيان الصهيوني باعتباره ذا نفوذ واسع في الغرب هو نظرة خاطئة، أو على أفضل تقدير، قديمة. فاليوم نشاهد كيف يعجز هذا الكيان عن التحكم في سياسات الولايات المتحدة اتجاه الاتفاق النووي مع إيران، وكيف تمارس عليه الضغوط من الاتحاد الأوروبي. والأهم من ذلك أن العلاقات والمصالح التي تربط بين بعض الدول العربية والخليجية مع الغرب قويّة بما لا يجعل هناك أية حاجة إلى التعاون مع الكيان الصهيوني.

فحتى لو تجاوزنا المبادئ والرفض القطعي للتعاون مع الاحتلال الصهيوني، فإنه مهما قلَّبنا هذه الفكرة، فلن نجد فيها سوى الفشل والخسارة والكلفة العالية.