إذا كنت ترفض مطلب إلغاء الولاية لإنك تعتبر هذا المطلب فيه إسقاط لجزء من الدين، أو لأنك تعتبر الولاية أمر شرعي فالمطالبة باسقاطه مصادم للشرع، أو لأنك – لهذا السبب أو ذاك- تعتبر مطلب الولاية يتعارض مع الإسلام، فهذه التدوينة موجهة خصيصا لك، وفيها سأقدم الحجج التي تبيّن أن موقفك غير صحيح. حاولت هنا أن أحصي أغلب الاعتراضات التي تنطلق من أساس شرعي، وحاولت تبيين عدم صحتها بالدليل والبرهان. فإن كنت تعتبر أن حججي هنا ضعيفة أو أني أهملت اعتراضا مهما أو أني صورت احد الاعتراضات بطريقة ضعيفة، فأتمنى تصحيحي وسأكون مستعدا لمناقشة الاعتراض الجديد.
١- ركّز على المعنى وليس على اللفظ.
هناك قاعدة جميلة يرددها علماء أصول الفقه، وهي “لا مشاحة في الاصطلاح”. المقصود هنا أن نركز على معاني الكلمات وليس على الألفاظ ذاتها. فإذا كان المعنى الذي يقصده الشخص من اللفظ يختلف عن المعنى الذي يفهمه منه محاوره، فإن الحوار سيكون مشتتا ولن يفضي إلى نتيجة. وغالب النقاشات حول “الولاية” هي من هذا النوع. فمن يطالب بإلغاءها يعني شيء، ومن يرفض إلغاءها يعني شيئا آخرا. فيصبح كلا الطرفين يتناقشان في أمرين مختلفين بشكل مستمر. وحتى لا نقع في نفس هذا الخطأ هنا في هذه التدوينة، يجب أن نضع التعريفات بشكل واضح وأن نتحرر من الخلافات اللفظية التي لا تفيد وتشوش الحوار.
٢- المقصود بـ(الولاية) مجموعة من القوانين السعودية، وليس المقصود الشريعة أو الأحكام الشرعية المتعلقة بالولاية
الحديث عن الولاية في الحملة هو حديث عن مجموعة من القوانين السعودية وليس الحديث عن أحكام شرعية. مثال على هذه القوانين هو التالي: عندما تقوم امرأة بجريمة ويتم الحكم عليها بفترة محددة في السجن، فهي لا يسمح لها بالخروج من السجن إلا إذا جاء ولي أمرها ليستلمها حتى لو انتهت محكوميتها. يعني تخيّل امرأة عمرها ٣٠ سنة، قامت بجريمة، وحكم عليها بـ١٠ سنوات، ثم انتهت محكوميتها وعمرها ٤٠ سنة. وعندما تريد الخروج من السجن، لا تسمح لها إدارة السجن بالخروج وذلك لأن ولي أمرها يرفض استلامها من السجن. فهل هذا القانون الذي يجعل مصير هذه السجينة وخروجها من السجن معلقا بيد “ولي أمرها” شرعيا؟ إن المطالبة باسقاط هذا القانون ليس مطالبة لإسقاط الإسلام أو حكم شرعي، بل إن العدل الذي أمر به الشرع يقضي بأنه لا يجوز معاقبة الشخص بأكثر من العقوبة التي قررها له القاضي.
لهذا من المهم جدا التركيز بالقوانين التي يراد “إسقاطها”، ومناقشة هذه القوانين، وعدم الخلط بينها وبين الشريعة والأحكام الشرعية. قد يكون الواحد منا متفقا بأن كل القوانين التي تطالب الحملة باسقاطها ظالمة، وقد يعتبر الآخر أن بعضها ظالمة وبعضها عادلة، وقد يعتبر الثالث أن كلها عادلة. هذا أمر ممكن، لكن من غير المقبول أن يعتبر شخص أن المطالبة نفسها موجهة ضد الشريعة وأحكامها، لأن هذا غير صحيح، بل هي موجهة ضد مجموعة من القوانين السعودية.
٣- القوانين السعودية قوانين وضعية بشرية
قد يقول قائل: لكن القوانين السعودية مستمدة من الكتاب والسنة، وبالتالي أي محاولة لإسقاطها هو محاولة لاسقاط الكتاب والسنة. ردي عليه: هذا غير صحيح، والتوضيح كالتالي:
١- الحكومة نفسها تضع يوما قانونا، ثم تقوم في اليوم التالي بتغييره. مثال على ذلك: تعديل نظام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالشخص الذي يعتبر قوانين الحكومة=الشريعة، أمامه ثلاث خيارات: أ- أن يقول أن نظام الهيئة القديم هو الشرعي أما النظام الجديد فليس شرعيا، وهو هنا يقرّ أن الحكومة تصدر قوانينا غير شرعية وأن ليس كل قوانينها شرعية، بل يعتبر الحكومة أسقطت حكما شرعيا. ب- أن يقول أن النظام الجديد هو الشرعي وأن القديم غير شرعيا. وهو هنا يقر أن الحكومة قد تعمل بقانون لفترة طويلة ويكون هذا القانون غير شرعيا. وبالتالي من الممكن أن يكون قوانين الولاية من هذا النوع غير الشرعي. ج- أن يعتبر كلا القانونين شرعيين، وهذا تناقض، لأن أحدهما جاء لالغاء الآخر.
٢- القوانين السعودية ليست وحيا منزّل من السماء، هي قوانين وضعية، وضعها بشر، وهي في أقصى حالاتها اجتهادات بشرية قد تصيب وتخطئ. فهي شيء، والشريعة وأحكامها شيء آخر. وحتى نحدد إذا ما كان هذا القانون أو ذاك “شرعيا” علينا أن نخضعه لمعايير الشرع، والتي من أهمها العدل (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل).
٤- الولاية والقوامة والمحرم: بين الشرع والقانون السعودي
يجب التفريق بين معاني مفهوم “الولي” و”القوّام” و”المحرم” الشرعية وبين معانيها في القانون السعودي، لأن أغلب اللبس والخلط يأتي من عدم التفريق هذا. سنأخذ الآن كل مفهوم ونوضح معناه في الشريعة ومعناه في القانون السعودي.
- الولي: المنتسبون لمذهب أحمد بن حنبل والشافعي ومالك يشترطون موافقة ولي أمر المرأة لصحة النكاح، مستندين في ذلك على أحاديث مثل “أيما امرأة انكحت نفسها بدون إذن وليها فنكاحها باطل” وحديث “لا نكاح إلا بولي”، ويخالفهم في ذلك أتباع مذهب أبي حنيفة، فهم يرون أن المرأة الراشدة لها الحق بتزويج نفسها. والخلاف بين الطرفين مرتبط بصحّة ودلالة هذه الأحاديث. هنا يجب أن نلاحظ ثلاث ملاحظات:
- أن دور الوليّ في الإسلام مرتبط فقط بموضوع الزواج، ولم ترد أي أدلة حول دوره في مسائل وقضايا أخرى. مثلا لا يشترط الإسلام موافقة ولي أمر المرأة حول كيف تستخدم مالها. لكن القانون السعودي يشترط موافقة “ولي الأمر” في أمور خارج الزواج: مثل العمل والتعليم والسفر وغيرها. هذا “التوسيع” لدور ولي الأمر ليس له أصل شرعي، بل الأصل الشرعي الوحيد موجود في موضوع الزواج وهذا نفسه حوله خلاف بين الفقهاء.
- لنفرض جدلا أن الإسلام يشترط موافقة ولي الأمر على كل قرار تتخذه المرأة من تعليم وعمل وخروج من المنزل وسفر وكل شيء، السؤال: ما شأن الدولة هنا حتى تحول هذه الأمور لقوانين؟ حتى أوضح مقصدي. تخيّل عائلة مسلمة تعيش في بريطانيا. القانون يسمح للمرأة أن تزوج نفسها بدون موافقة ولي الأمر. لكن المرأة المسلمة التي تنتمي للمذاهب التي ترى أن من شروط النكاح موافقة ولي الأمر عليها أن تحقق هذه الشروط حتى يكون زواجها صحيحا من الناحية الشرعية. المسلم والمسلمة مطالبان باتباع أوامر الله في حياتهم، وليس دور الحكومة لإجبارهم على القيام بذلك. يعني رفض “تقنين” الولاية لا يعني رفض الولاية نفسها.
- أن الحديث هنا عن المرأة الراشدة، وأحقيتها بأن تكون وليّة نفسها في قرارات التعليم والعمل والتنقل، مثلما هي وليّة نفسها بقرارات مثل الصلاة والصيام والتصرف بالاموال..إلخ. والمرأة الراشدة هي التي بلغت سن الرشد. أما الأطفال والقصّر من ذكور وإناث، فهؤلاء جميعا يجب أن يكونوا تحت رعاية آبائهم وأمهاتهم حتى يصلوا لسن الرشد.
- المحرم: هناك أحاديث تحرّم سفر المرأة بدون محرم، مثل حديث (لا تسافر المرأة ثلاثا إلا ومعها ذو محرم). وهناك الكثير من الفقهاء من اعتمدوا على هذا الحديث لتحريم سفر المرأة بدون مرافقة محرم لها، والمحرم هنا ليس هو الولي من أب أو زوج، بل يضاف إليهم أي رجل يحرم عليها الزواج به مثل الأخ والعم والخل وغيرهم. وهنا أيضا عدة نقاط مهمّة يجب التنبه لها.
- أن المحرم هنا ليس “وصيّا” على قرارات المرأة بل مرافقا في السفر. أي أن دوره ليس في تقرير أين تسافر ومتى تسافر وكيف تسافر أو هل تسافر أم لا، بل أنها هي مأمورة إذا قررت السفر في الوقت الذي اختارته هي وللجهة التي هي أرادت الذهاب إليها أن يرافقها أحد محارمها.
- أن هناك من الفقهاء- مثل الشافعية وابن تيمية والمالكية وبعض الحنابلة- من يعتبرون أن المرأة التي تريد الحج ولم تجد محرما أو أن محارمها رفضوا الذهاب معها، تستطيع السفر بدون محرم إذا كانت برفقة مجموعة من النساء أو في رحلة آمنة. وهم أيضا لا يشترطون وجود المحرم للمرأة التي تعيش في بلاد غير المسلمين وتريد الهجرة لبلاد المسلمين، أو المأسورة وتريد الهرب من أسرها.
- يتضح مما سبق أن اشتراط المحرم في السفر مرتبط بموضوع الأمان. فإذا تحقق الأمان انتفت الحاجة للمحرم.
- أن موضوع “المحرم” في الفقه مرتبط بالسفر فقط. لكن القوانين السعودية جعلته يمتد ليشمل جوانب كثيرة ليس لها علاقة بالسفر، مثل مراجعة بعض الجهات الحكومية وتخليص بعض المعاملات، وغيرها من الأمور التي ترفض الدولة التعامل فيها مع المرأة مباشرة دون وجود محرم معها.
- القوامة: هناك آية كريمة في القرآن تقول “الرجال قوامون على النساء” ويعتمد عليها الكثير من الذين يعارضون مطلب إسقاط الولاية بحجة أن المطالب تطالب بإسقاط هذه الاية، وهذا غير صحيح كما سنبين في النقاط التالية:
- الآية دائما تقتطع عن سياقها ولا تحضر كاملة: “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا أموالهم”. فالآية هنا لم تجعل الرجل قوّام على المرأة لأنه رجل، أي لأنه ينتمي بيولوجيا لصنف الذكور، بل جعلته قوّام لأنه غالبا يتحلى بصفتين: الأولى، القوّة الجسدية، والتي تعني أنه الأقدر على الحماية. والثانية، تحصيل الرزق، وبالتالي القدرة على إنفاق المال على احتياجات الأسرة. وهذا يعني أن المرأة لو كانت هي التي تنفق المال على المنزل (وهذا بات يصبح رائجا في هذه الأيام التي أصبح تحصيل الرزق فيها يعتمد على التحصيل العلمي والشهادات أكثر من اعتماده على القوّة الجسدية)، أو أنها أقوى جسديا من الرجل، فهذا يعني أن مبررات قوامته انتهت ولا يكفي أن يكون “ذكرا من الناحية البيولوجية” حتى يكون قواما.
- لنفرض أن الآية تعطي الرجال حق القوامة فقط لأنهم ينتمون لصنف الذكور بيولوجيا، فالمطالبة باسقاط قوانين الولاية لا علاقة لها بهذا الحق. فلو ألغت الدولة كل القوانين المتعلقة بولي الأمر، فسلطة الولي الشرعية عند من ىؤمن بها لا زالت قائمة. هل إذا سافرت أسرة سعودية إلى بلد أجنبي لا توجد فيها قوانين الولاية يعني أن الأب فقد حق القوامة الشرعي؟ هل الأسر المسلمة التي تعيش في بلدان لا توجد فيها هذه القوانين لا تستطيع القيام بحق القوامة؟ لا أعتقد أن أحدا يقول بذلك. فإذا صح أن القوامة لا تلغى بمجرد السفر خارج المملكة أو عند العيش في بلد لا توجد فيه هذه القوانين، فالنتيجة هي أن القوامة أيضا لا تنتفي عند إلغاء القوانين المتعلقة بالقوانين.
- في السعودية اليوم، أغلب الجوانب المتعلقة بالقوامة لا تتدخل فيها القوانين. مثلا: عندما يطلب زوج من زوجته أن تحضر له طعام وترفض، لا يوجد قانون يعاقبها على عدم قيامها بذلك. عندما يرفض زيارتها لاهلها، ولكنها تزورهم، فلا يوجد قانون يعاقبها على فعلها هذا. فهذه أمور متعلقة بالقوامة وادارة شؤون المنزل ولا تتدخل فيها القوانين السعودية، هل هذا يعني أن القوامة انتهت لأن جانبا كبيرا منها ليس مقننا؟ الجواب لا، وهذا يعني أن رفض تقنينها لا يقتضي رفضها أو انهائها.
٥- أدلة شرعية أخرى يتم استخدامها لا علاقة بينها وبين موضوع الحملة
- “ليس الذكر كالأنثى” هذه الآية يتم ترديدها كثيرا عند رفض مطالب حملة إسقاط الولاية. والحجة هنا: أن المرأة ليست مساوية للرجل، وبالتالي لا يحق لها أن تطالب باسقاط قوانين الولاية. برأيي أن هذا الاستدلال باطل. في تدوينة قديمة وضحت أن المساوة لا تعني المطابقة (فمن يقول أن التفاح والبرتقال متساويان في السعر لا يقصد أنهما متطابقان)، وأن المساواة لا تعني العدل (فالمرأة تحمل، فمن العدل عدم المساواة بينها وبين الرجل في العمل ومنحها إجازات اضافية متعلقة بالحمل). وبالتالي عندما تطالب الحملة بأن المرأة البالغة الراشدة يجب معاملتها من قبل الحكومة بشكل مساو للرجل العاقل البالغ، فهذا ليس مطالبة بالمطابقة أو المشابهة في كل شيء، بل في شيء محدد، وبالتالي الاستشهاد بهذه الاية غير صحيح.
٦- حسنا، فهمنا أن الولاية المراد إلغاءها هي القوانين السعودية وليست الأحكام الشرعية. لماذا تعتبر إلغاءها مطلبا شرعيا؟
الله أمرنا بالعدل، (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل). والله أمرنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والظلم منكر، فإذا كان هناك ظلم، فإننا مأمورون بالنهي عنه بحسب استطاعتنا. فهل هذه القوانين التي تعامل المرأة الكبيرة الراشدة وكأنها قاصر وبطريقة مختلفة عن معاملتها للرجل الكبير الراشد عادلة؟ أنا أعتقد أن الإجابة هي لا. ولهذا، انطلاقا من الأمر الإلهي بالعدل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، علينا أن نطالب بانهاء هذه القوانين.
أما لماذا هي ليست عادلة، فالجواب مرتبط بأن الأصل أن تعامل الحكومة مواطنيها بشكل متساوي، فإذا ميزت بينهم فيجب أن يكون هذا التمييز نتيجة تقديم العدل على المساواة، أما إذا كان التمييز على أساس مختلف، فهنا يكون ظلما. فما هو الاساس الذي بناء عليه تميز الحكومة بين المرأة الكبيرة والرجل الكبير؟ كلهم بشر، كلهم مكلفون من الله بنفس الدرجة، كلهم مسؤولون جنائيا عن أعمالهم، كلهم يستطيعون اتخاذ قراراتهم بشكل سليم وواعي. فما هو أساس هذا التمييز؟ لا شيء. وعلى من يقول بأن التمييز نتيجة لوجود فرق مؤثر بين النساء والرجال تستوجب معاملة النساء باعتبارهن قواصر أن يذكر حجته.
لو سمحت حبيت أوضح نقطة معينة أنت لم تذكرها في
” القوانين السعودية قوانين وضعية بشرية ”
أولاً أحكام الشريعة الإسلامية هي المصدر الأول والأساس ولايجوز مخالفتها او إجراء تغييراً فيها. هذا شيء، أما من نتحية ” القوانين التي هي من وضع البشر” فهي وُضعت لتنظيم امور وحياة الناس بشرط ألا تخالف الأحكام الشرعية فهذه من الطبيعي تغييرها مواكبةً للتطور في المجتمع.
*ناحية
أستاذ سلطان رأيك جدًا دقيق ووافي من جميع التفاصيل، أشكر لك أسلوبك مرتب ورائع أتمنى الجميع يقرأ كلامك
إشكال أن قانون استلام الولي موليته عند انقضاء محكوميتها فقد تمكث أكثر بذريعة تمنع الولي من استلامها، نسلم بأن هذا ليس شرعيا -إن كان القانون كما صورت- لكن لا نسلم بإسقاطه، بل نطالب بتعديله فيكون: لا يستلمها الا وليها فان تمنع فللسلطان اخراجها، لأن في الشرع أحكام معلقة بالولي فاذا عضل او ذهب بمصلحة موليته فللسلطان النظر في شأنها بدله
والشارع انما علق الولاية بالولي لكمال شفقته خصوصا في الاب قبل الزواج وفي الزوج عقبه فاذا انتفت هذه الشفقة من كل من حول المرأة فتنتقل للسلطان أو من ينوب عنه وهذا مبثوث في كثرة من الفروع عند الفقهاء، والتعليق بالسلطان عند تعذر المصلحة من تعليقها بغيره=أمر شرعي، واظن القانون السعودي أتى بذلك أيضًا
والزعم أن القوانين السعودية هي الشريعة لا أظن أحدًا يستطيع الجزم بذلك ولا النفي المطلق إذ هي مستنبطة والاستنباط في الاجتهاديات لا يمكن الجزم بأنه مراد الله، فلا داعي من ذكر هذه النقطة في المقال بل ذكرت بشكل غير موضوعي فالفصل الكامل بينها وبين الشريعة غريب فقد يكون الفصل صحيحا اذا كانت القوانين مستنبطة من التوراة وغير صحيح اذا قلنا انها من مصادر التشريع الاسلامي استنبطت، ومع ذلك لا يمكن الجزم بأنها مساوية لمراد الله لكن يقال انها مشابهة وقريبة منه
أما الولاية والقوامة فقد أنيطت بها أحكام السفر والعمل والخروج لأن في عدمها تفويت لمصالح مقتضى الزوجية في القوامة، وفي الولاية تفويت لمقصد تشريعي عام غالبي وهو أن الرجل أسعى في الأرض من المرأة بالفطرة فهو أدرى بمصالحها الخارجية وأقدر على الكسب منها فلذلك جاءت الشريعة بتوليته شؤنها من نفقتها وتزويجها واذن السفر فهذه هي الولاية، والشريعة علقت هذا الحكم على الغالب مما وزع فطرةً في الرجال والنساء والشارع كثيرا ما يعلق الأحكام على الغالب من حال الناس إذا كان فطريا
أما لو وجدت حال فرد معكوس فتتكسب المرأة وتسعى ويقر الرجل في بيتها وتنفق عليه فهذه حال فردية لا ينظر في التشريع العام لها فتعطى حكم الخاص فتدخل في باب الفتوى الخاصة
بل لو فرضنا انك وجدت مجتمعا كاملًا على هذه الصورة، فهنا صادفنا حالة نكسة فطرية فيجب دعوته للتقيد بالفطرة والعودة اليها ثم نعطيهم الحكم الشرعي والفطرة المنكوسة لا يرعى لهافي الحكم الشرعي شيء
وتحويل الأمر الشرعي إلى قانون مهم شرعي لئلا يفوت الحكم ويتساهل الناس فيه وهذا من باب المصلحة المرسلة -الباب الذي غيبه كاتب المقالة- الذي يجعل مما لا يتم الواجب إلا به واجبا فلو لم يقنن حكم الولاية لتجرأت المرأة على السفر دون إذن والدها إذ السلطة حينذاك تساعدها على الخروج وتسهل لها ذاك، وهي بفطرتها تحب ذلك فما الذي يمنعها؟ فصار التقنين هنا شرعيا لأن فيه تثبيتا للحكم الأصلي وتثبيت الحكم الأصلي واجب شرعي فإسقاطه مساعدة في إسقاط الأصل وهذا لا أظنه يغيب عن الكاتب، ويقال هذا في القوامة كذلك
اما عدم تدخل القوانين في كثير من مسائل القوامة الجزئية إيراده هنا غريب جدا، فمسألة طبخ الطعام ليست كمسألة السفر والعمل التي يفوت بها مصلحة مقتضى النكاح، والطريف ان طبخ الطعام وطاعة الزوج في غير مسائل مقتضى النكاح غير واجبة عند أكثر الفقهاء، فلا أدري كيف أوردها الكاتب!
أما ما جاء في المقالة من لي لأعناق الآيات لتوافق أصلا منكوسا في رأس الكاتب قبل النظر فيها فهو من أبشع ما فيها فهو قول على الله بغير علم وإني لن أخوض فيها لظهور سذاجة اللوي القبيح وسأضرب مثلا وأكتفي به “بما فضل الله بعضهم على بعض” تجاوز الكاتب معنى هذه الجملة من آية القوامة ليصل إلى المعنى الموافق لما قر في ذهنه قبل النظر في الآية، فوصل إلى تأويل يوافق الفطرة الصحيحة والمنكوسة على السواء فمتى سعى الرجل -وهذه الصحيحة- فله القوامة ومتى سعت المرأة -وهذه المنكوسة او المستثناه في احسن احوالها- فلها القوامة والشريعة لا توافق المناكيس ألبتة
وكذلك غيب “وللرجال عليهن درجة”
– غاب الدليل التشريعي (المصلحة المرسلة) -الذي قامت به غالب القوانين في البلد- عن القالة بصفة عجيبة
الكاتب دائما يأتي بأفكار مرتبة ترتيبا دقيقا لكنها خاطئة وهذا ما يخدع به قراءه.
احسنت
في المقال مغالطات وجهالات :
١_ كثير من الأمور التي تزعم أن الأنظمة تشترط لها ولي كلامك غير صحيح ، فالنظام فقط يشترطه في الزواج والسفر للخارج .
٢_ الخروج من السجن لا علاقة له بالولي وإنما مرتبط بنظام الكفيل حيث لا يخرج أحد حتى الرجل المنتهي سجنه إلا بكفيل وبالتالي من يريد تعديل هذا النظام فليتحدث عن نظام الكفيل الذي لا يخرج السجين إلا به سواءا كان السجين رجل أو امرأة .
٣_ الزعم بأن الولاية والقوامة ومسؤولية الرجل عن أهله شأن أسري لا علاقة للدولة به هذا باطل لأنه فصل للدين عن للدولة وهذه علمانية صريحة والمضحك أن علمانيتكم تتوقف عند الوصول للمهر والنفقة وتأمين السكن وأن الرجل لوحده ينفق على الأولاد فلا تجعلون هذه الأمور شأن أسري لا تتدخل فيه الدولة
يعني أنتم علمانيين في الولاية والقوامة ومسؤولية الرجل عن أهله والسفر بمحرم ، وسلفيين في المهر والنفقة وتأمين السكن والنفقة على الأولاد .
٤_ الزعم بأن المرأة ليس عليها عقوبة إذا عصت زوجها غير صحيح لأنها تعتبر ناشز يحق للزوج تأديبها وإذا لم تتأدب فالقاضي الشرعي يلزمها بأداء ما عليها من حقوق أو يلزمها بالخلع بمال مثلما يتم إلزام الزوج بما عليه من حقوق كالمهر والنفقة أو يطلق .
٥_ من يريد المساواة لا يتناقض وبالتالي فعليه المطالبة بإسقاط الأنظمة والقوانين والأحكام القضائية التي تلزم الرجل بالمهر والنفقة أما تختارون على مزاجكم فإذا أعجبكم حكم شرعي قلتم تطبيق شرع الله وإذا لم يعجبكم قلتم شأن أسري .
٦_ يكفي الرجوع لتفسير آية القوامة في أي تفسير من تفاسير أهل السنة مثل ابن كثير الشافعي او ابن سعدي الحنبلي او القرطبي المالكي او الجصاص الحنفي حتى تعرف أن كلامك عن القوامة مجرد خرابيط لتسويق خرابيط السيداو وياليتكم على الأقل تصملون على المساواة في الأمور الأخرى كالمهر والنفقة .
٧_ بالأول إسقاط المهر والنفقة ثم يأتي إسقاط الولاية والقوامة ومسؤولية الرجل عن أهله .
وهناك مغالطات وجهالات أخرى لكن تعبت وأنا أكتب .
بالاول حددوا تبغونها علمانية او اسلامية اما تقعدون تنقون على كيفكم ما ينفع
فانتم علمانيين تطلبون فصل قوانين الدولة عن احكام الشريعة عند الحديث عن الزواج بولي والسفر بمحرم وان الرجل هو مسؤول الاسرة وان عمل المرأة الاساسي هو رعاية بيتها واولادها و..
وتنقلبون الى اسلاميين تطلبون بفرض احكام الشريعة عند الحديث عن المهر والنفقة وتوفير السكن والانفاق على الاولاد
يبدو أنك لم تقرأ المكتوب.
كاتب المقالة:
أولاً: ألتمس في كلامك صدقاً في طلب معرفة الحق، أنصحك بكثرة ذكر: [اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك]، وذكر [اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا رحمن يا رحيم، برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين].
ثانياً: من أقوى وأنجح الطرق في معرفة الحق -لمن يريده صادقاً من قلبه- هو أن ‘يصدق مع الله’، الطريق الآخر هو التجرد التام، وبلوغ الجهد واستفراغ الوسع في دفع الضغوط الخارجية والداخلية سواءً كانت من واقع الناس، أو كانت من النفس البشرية التي يؤثر بها ‘الهوى’ من حيث لا تشعر، أو من حيث ‘يزيّن لها الشيطان’ من حيث لا تشعر، وكل إنسان مهما بلغ لابد أن يكون لهذين الأمرين تأثير عليه قل أو كثُر، لكن يلجأ إلى الله بطلب الإعانة عليهما.
ثالثاً: أطلب منك -وأنا الإنسان المقصّر- أن تقرأ القرآن كاملاً، قراءةً تستعمل بها الطريقين السابق ذكرهما -الصدق مع الله في طلب الحق، والتجرد- وتحاول جاهداً أن تتدبر وتتلمس حكمة الشارع ومقاصده الكبرى في المواضيع التي يكثر الخلاف حولها، كالذي ذكرته، ثم استعملها في النظر في كتب الفقه والتفسير والحديث في رجوعك لبعض المسائل الخلافية -إن تيسر لك- ثم بعد ذلك انظر لواقع الناس وكيف يمكن تحقيق أوامر الشارع ومقاصده وحكمه في هذا العالم .. ؟
،وما المفاسد المترتبة على عدم تحقيقها في هذا العالم؟
أعتقد من كامل قلبي: أنه ستتغير نظرتك لكثير من الأمور، وتدرك ما غاب عنك ادراكه نوعاً ما ، ‘شريطة أن تستصحب معك الطريقين طيلة مسيرك’.
رابعاً: فلنستحضر عند شعورنا بنوع انحياز أنفسنا لرأي معيّن: أن كل حرف نكتبه وكل شيء من حولنا سيشهد لنا أو علينا أمام الرب العظيم، {يوم هم بارزون لا يخفى على منهم شيء}.
أخيراً: تحياتي لك.