السربوت جان جاك روسو (٢)

صمت قليلا عندما سمع سؤالي، التفت لأقرب طاولة وسحبني من يدي إليها. بعد أن جلس قال لي:

– حسنا، لست أنت أول من يعيرني بماضيي. ابتدأ الأمر عندما علمت بأن صديقي ديدرو قد تم نقله من سجنه لمزرعة سمح له فيها باستقبال الزوار. كان الطريق طويلا، وكنت كلما تعبت منه أقف تحت شجرة لأقرأ من كتاب يكون في يدي. وفي إحدى المرات قرأت إعلانا عن مسابقة تطلب من الكتاب الإجابة عن هذا السؤال: هل أفسدت الفنون الأخلاق؟
– عاد أنت موسيقي ما يحتاج، عندنا مثل يقول : كلن يمدح بقله، وأنت أكييد جلست تمدح بالفنون وانهن أحسن أحد. عاد تدري يا روسو، إني أنا ما عطان الله بالفنون، إن انهبلت، وويني عند روحي، سمعت عزازي..
– من هذا، كاتب أوبرا قصيمي؟
– هههههههههههههههههههههههههههههه, يا زين سواليفك… إيه هذا كاتب أوبرا له ملحمة عنوانها “ليتك تموت اليوم”. يقولبه : يلعنك قلبي والاحاسيس تلعنك، ويلعنك دمع صادق لك نثرته.
– وااااااو، أجزم أن دار الأوبرا القصيمية غرقت بالدموع تلك الليلة!
– إيه ! تقوله صادز! يحلفون ويقسمون إنهم يوزعون دبات الأوكسجين على العالم عشان ما يموتون… المهم ما علينا من عزازي، كمل سالفك!
– نعم! أخشى يا سلطان أني سأكون مخيبا لآمالك فما كتبته في خطابي للجمعية التي أقرت المسابقة كان مختلفا عما توقعته. فأنا قد صحت في وجه فرنسا كلها قائلا “أن نفوسنا تفسد بمقدار تقدم علومنا وفنوننا إلى جهة الكمال”. ثم سائلتهم: “ما هذه العلوم التي تفاخرون بها؟؟!” “أليس الفلك يعود بأصله للطيرة‍‍! وما الفصاحة إلا الطمع والكراهية والنفاق والكذب! ثم أليس أصل الهندسة البخل؟ وأصل الطبيعة الطلعة الكاذبة؟ وأصل كل العلوم والأخلاق التي ترتبت عليها إنما هو الكبرياء الإنساني!”…

كانت نبرة الحماس تعلو شيئا شيئا كلما استرسل جان في حديثه، لم يتمالك نفسه فقام من مكانه ضاربا بيده على الطاولة موقعا كرسيه خلفه:
– ثم بالله عليك قل لي… أليست مبادئ الفضيلة منقوشة في كل القلوب؟ وهلا يكفي لمعرفة قوانينها أن يرجع الإنسان إلى نفسه ويسمع صوت ضميره حينما تصمت فيه الشهوات؟…
ثم هدأ قليلا وقال بصوت منخفض:
– تلك هي الفلسفة الحقة لو نعرف كيف نقف عندها…
ثم وبصوت مرتفع:
– وليست الفلسفة أن نرتمي في أحضان التفكير المذل وما يجيء على أثره من تعاسة وشقاء!

– الحين كل ذا قلته لهم؟ ما قطعوا خطابك؟

هنا تنبه روسو إلى أن الحماس قد أخذه بعيدا، رفع كرسيه وجلس عليه ثم قال بعد أن تنحنح:
– فزت بالمركز الأول،وانتشر صيتي في البلاد كلها، طولها وعرضها… وحصدت من الشهرة ما لم أحصده قبل ذلك.
– على هالخرابيط فزت بالمركز الأول؟
– ليست خرابيط! ما تدعوها خرابيط يا أيها القصيمي قام كل من ملك سردينيا والمسيو بورد والاستاذ جوتييه بالرد علي!
– ايه كفوك، اللي أعرفه انه بعصرك كان فيه ناس كبار مثل فولتير وغيره، وراهم ما ردوا عليك؟
– فولتير! هل تعتبر فولتير كبيرا؟ ذاك الارستقراطي الملحد الذي نشر الرذيلة في موطني جنيف مدينة كالفن!
-هههههههههههههههههههههه، وراك قلبت مطوع؟
– ماذا يعني مطوع؟
– والله هذا كلام يطول يا روسو، المطوع هو واحد ما يعجبه العجب ولا صيام رجب. يبي العالم تصير زي ما يبي، وان ما صارت فالعالم كله ذا ابن ست وستين كلب…
– وألفا خنزير!
– ههههههههههههههههههههههههههه، ما قلتلك إنك مطوع، احمد ربك ما عندكم حلقات، ولا تسان الحين ترسل إيميلات تطالب بمحاكمة كل من يتهجم على العلماء
– أنا لست أبلها، لكن فولتير هذا عندما قرأ ما كتبته قال لمن حوله: “لو أن الناس اتبعوا قول هذا الصائح لسرهم أن يمشوا على أربع”!
– هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
– ليس هذا فقط، بعد ذلك بفترة قرأت كلاما لدالمبير في “الانسكلوبيديا” يقترح فيه انشاء مسارح في جنيف!
– جنيف ما به مسارح ذاك الوقت؟
– طبعا لا، فهي أطهر من أن تتلوث بالمسارح والممثلين… ما إن قرأت هذا حتى علمت أن لفولتير علاقة بالموضوع فهو كان على مقربة منها ويريد أن تعرض مسرحياته هناك.. هل ترى يا سلطان! يريدون نشر الملاهي في جنيف!
– ما قلتلك إنك مشروع مطوع، الحين عندنا حنا نفس المشكلة… به سرابيت يبون دور سينما ويناظرون افلام، والمطاوعة ناشبين لهم..
– دعني أتصور: ألا يقولون أن في هذه السينما تهذيبا للأخلاق، وأنها ترتقي بالنفس بما فيها من تجسيد لمساوئنا ومزايانا ولما يتخللها من قوة في العرض وابداع في السبك؟
– هههههههههههههههه بالضبط، لا وطايحن لهم بشي ثاني إن الفن والموسيقى علامة على الرقي البشري والتقدم. وحنا لأن ما عندنا سينما فحنا متخلفين ومساكين، واللي ما يعرف بتهوفن وباخ، ذا يعتبر إلا زود آدمي موب شي…
– الخنازير! عليهم اللعنة! أنا عندما قرأت ما كتبه دالمبير كتبت ردي عليه خلال ثلاثة أسابيع ابتدأته قائلا: “ما أكثر ما أجد مواضع للمناقشة فيما أراك بكلمة قد حللته. فهل الملاهي حسنة أم سيئة لذاتها؟ وهل هي تتفق مع الآداب؟ وهل يمكن إباحتها في مدينة صغيرة؟ وهل يمكن أن تكون حرفة الممثل شريفة؟ وهل تستطيع الممثلات أن تكن على جانب من العقل مثل سائر النساء؟ وهل تكفى القوانين لقطع دابر المفاسد؟ وهل يمكن مراعاة هذه القوانين مراعاة دقيقة؟” … “ثم ما هي براعة الممثل؟ هي أن يقلد سواه ويلبس خلقا غير خلقه ويظهر غير نفسه ويهتاج ودمه هادئ بارد ويقول ما لا يجول بخاطره بهوادة طبيعية، كأن ما يقوله من بنات أفكاره، وينسى مركزه لكثرة ما يقف في مركز سواه.
وما هي حرفة الممثل؟ هي حرفة يعرض بها الشخص نفسه أمام الجمهور بثمن معين ويعطيهم حق تحقيره والاستهانة به مقابل الأجر الذي يدفعونه ويبيعهم شخصه بيع السلع المعروضة في السوق!وإني أستحلف كل مخلص هلا يشعر في أعماقه أن بيع الشخص نفسه على هذا الشكل أمر دنيء سافل؟… فالممثل إذن لا يفيد في الحقيقة من حرفته إلا الدناءة والكذب وباطل الغرور والعبودية السافلة التي تجعله صالحا لأن يكون كل الأشخاص إلا أشرفهم وأكرمهم- إلا أن يكون رجلا!”

– وشو وشو وشو ذااا ؟ الله لا يطيحن بلسانك! منيلك كل هاللعانة؟
– لم ترَ شيئا بعد، وبعد هذا كله قلت له: “في مدينة كبيرة ملأى بالدساسين والعاطلين ومن لا دين لهم ولا مبدأ ممن أفسد خيالهم الكسل والبطالة وحب الشهوات وكثرة الحاجات، في مدينة كبيرة لا قيمة فيها للأخلاق ولا للشرف، وحيث يسهل على كل انسان أن يبطن على الناس حقيقة أمره وألا يظهر لهم إلا ما يفيد مركزه ثم هو لا ينال من الاحترام إلا على مقدار ثروته. في مثل هذه المدينة يتعين على أولي الأمر أن يستكثروا من الملاذ… وما دام عمل الناس نبت شر كله،… فإن إضافة ساعتين تخمد فيهما حركة الشر هو بمثابة محو جزء من اثنتي عشر جزءا من الجرائم التي ترتكب!”
– تقصد باريس يالمليعين؟
– ههههههههههههه، طبعا، ولقد كنت صادقا في كل ما قلت…
– موب بس صادق، حتسيك عنه ذكرن بالرياض، نفس الوصف بالضبط…
– ما هي الرياض؟
– هذي باريس الصحراء…
وبعد قليل، قلت له:
– طيب ما ردوا عليك؟
– هههههههههههه، بلى جاءني 400 رد، منها رد دالمبير نفسه الذي قال لي: “إن الأكثرين من خطباء المسيحية يحكمون على ما لا يعرفون حين يتحدثون عن الكوميديا. لكنك أنت قد درست وحللت ووضعت بنفسك هذا السم القاتل الذى تسعى لذياده اليوم عنا. ثم نراك تطعن على رواياتنا وقد ألفت فيها بله شاهدت منها. قد أعلم رأيك أن الملاهي لازمة في مدينة بلغت من الفساد ما بلغت تلك من رواياتك. أي أنك يا سيدي قد عاملتنا معاملة تلك الحيوانات المريضة يقضي عليها قتلا مخافة أن يمتد بها الألم. وقد كان لسواك أن يهتم بهذا الأمر ويوفر على حسن ذوقك مثل هذا الطعن بعد الذي كان بيننا لما ألفت من نجاح وإقبال أعلاك كشاعر وموسيقي وجعل للتمثيل من الأنصار مبلغ ما صرفت عنه بلاغتك. لهذا فلن يضر الابتهاج بقراءتك الابتهاج بسماعك وستبقى طويلا تعاني الألم أن ترى روايتك (ملاك القرية) تفسد ما استطاعت كتاباتك ضد المسرح أن تجيء به”..
– وشو “ملاك القرية”؟
– هذه مسرحية غنائية قمت بتأليفها؟
– قل قسم؟
– قسم!
– وش تحسبه طيب؟
– ماذا تقصد؟
– الحين كاتبن بحث طول بعرض عن المسرحيات، وانت مألف مسرحية؟ تبين أصبخك بالجدار الحين؟
– أ..أ..
– أقول : أش ولا كلمة، وانا من اليوم اسمع سواليفك، أثرك بياع كلام؟ قلي بس وش زين فولتير هو اللي به رجا..
– هههههههههههه، لا تطمح كثيرا. فولتير أرسل لدالمبير يقول له: “أتراك تجيب حقا على هذا المجنون روسو؟ هذا اللقيط ابن كلب ديوجانوس؟”…
وبعد ذلك قام بنشر خطاب لي عن التفاؤل كنت امتنعت عن نشره، ولكنه غدر بي ونشره.. فأرسلت له:
” إنني لا أحبك يا سيدي حيث آذيتني وأنا تلميذك والمعجب بك أذى بلغ مني.
فقد أضعت جنيف حين آوتك
وأبعدت عني أهل وطني جزاء لي على ما قمت به من تحبيذك والتصفيق لك بينهم.
وأنت الذي تجعل مقامي في بلادي غير محتمل
وأنت الذي ستجعلني أموت في أرض غريبة محروما من كل ما يتعزى به المائتون، وملقى في الثرى من غير أي تشريف في حين أراك تلقى في بلادي كل أنواع التكريم والتشريف التي يطمع فيها إنسان..
بلى، فأنا أكرهك وأنت الذي أردت ذلك…”

– رد عليك؟
– لا لم يرد علي، ولكن بعد ذلك بفترة كتبت كتابي “أميل” الذي وضعت فيه نظريتي في التربية.
– تربية؟ وش عرفك بالتربية وانت كل ما جاك ولد حلته بدار الايتام؟ والله صدز شين وقوي عين!
– المهم أني كتبته، وأثار غضب الجميع: القساوسة والفلاسفة.. فاتهمت بالإلحاد وتم إصدار أمر اعتقالي في فرنسا، وتم حظر الكتاب وحرقه……
– أوف أوف، وش انت مهبب؟
– كان كل ذنبي أني وضعت اسمي على الكتاب، ولم أفعل كغيري بأن انشره تحت اسم مستعار!
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قام اسقف باريس بكتابة منشور يرد فيه على إلحادي وقال عني أني نشأت “في حظيرة الخطيئة رجل ينتحل لغة الفلاسفة من غير أن يكون فيلسوفا حقا. إنما هو ذهن أفعم بالمعلومات بجم لم ينره، وبعث بالظلمات أذهان أخرى، وطبع مولع بغرائب الآراء وطرائق السير في الحياة…رأي يناهض العلوم التي يتعهدها، ويقرر كمال الانجيل ثم يهدمه من أصوله، ويصف جمال الفضائل ثم يمحوها من نفوس قرائه. وأقام نفسه مهذبا للنوع الانساني كي يظله، ومرشدا عاما ليغوي الناس جميعا…”
فقمت بالرد عليه في مائتي صفحة، ختمتها قائلا: “ما أيسر ما تتحدثون أنتم الذين رفعتم إلى مقام الكرامة. فأنتم، ولا تعرفون حقوقا غير حقوقكم ولا قوانين غير ما تلزمون بها الناس به، لا يكفيكم أن تعفوا أنفسكم من واجب العدالة بل ترون أنكم غير ملزمين كذلك بما توجبه العواطف الانسانية. فأنتم تظلمون الضعيف في كبرياء من غير أن يسألكم عن ظلمكم أحد. وإهانتهم لا تكلفكم أكثر مما تكلفكم القسوة بهم. وأنتم تكسحوننا أمامكم كسح التراب كلما عنّت لكم أقل غاية أو مصلحة. فمنكم من يعدم أو يحرق، ومنكم من يقذف ويطعن من غير حق ومن غير سبب ومن غير احتقار، بل من غير غضب وبغير موجب إلا أن ذلك يوافق مصالحكم ولأن البائس وجد في طريقكم…
مولاي،
لقد طعنت علي علنا، وها قد أثبت لك أنك سببتني. ولو أنك كنت رجلا من عامة الناس مثلي فاستطعت أن أخاصمك إلى قضاء عادل وحضرنا أمامه معا أنا بكتابي وأنت بمنشورك لما كان ثمة ريبة في اعتباره إياك مذنبا وحكمه عليك بالتعويض علنا بقدر ما كان الإثم علنا. ولكنك من صف يعفي صاحبه من أن يكون عادلا ولست أنا شيئا. على أنك وأنت تعلم الإنجيل ووظيفتك أن تدل الناس على واجبهم تعرف الواجب عليك في حالتنا هذه. ولقد قمت بواجبي ولم يبق لي ما أقول ولذلك أسكت.
وتفضل يا مولاي بقبول عظيم احترامي”…

هنا قمت من كرسيي ورحت أصفق لها بحرارة وأنا أردد:
– وشو الابداع هذا؟ قسم بالله خنقتن العبرة وانا اسمعك… اثرك منتب سهل!
– كان حديثنا عن فولتير، فدعني أكمل لك… لما أن هربت من فرنسا إلى سويسرة، تم اصدار نفس الحكم علي هناك.. وهناك كتب فولتير عن كتابي يقول: “إنه خليط تهرف به مرضعة بلهاء في أربعة مجلدات بها أربعون صفحة ضد المسيحية من أجرأ ما عرفنا… وهو يقول في الفلاسفة من الأشياء المؤذية قدر ما يقول في المسيح، ولكن الفلاسفة سيكون أكثر تسامحا من القساوسة.”
وكان قد أعجبه ما كتبت في الدين فكتب يقول: “من المؤسف أن يكون كاتبها… وغدا كهذا”.
ولما أن سمع بأمر مطاردتي كتب يقول: “فليأت إلى هنا (يقصد قريته).. يجب أن يأتي. سأستقبله بذراعين مفتوحتين وسيكون هنا سيدا أكثر مني، سأعامله كأنه ابني”.

– هه، شفت إنه أجودي…
– لا تغتر كثيرا، كتبت ذات مرة : لم لم يوح فولتير الذي طالما زاره الكلفانيون لهم بروح التسامح تلك التي لم يني عن التبشير بها والتي يحتاج هو لها أحيانا؟… وقد كان كتب كتابا بعنوان “عظة الخمسين” ففضحته..
لما أن فضحته، أثاره ذلك وأنكره تماما، وصاح حين قرأ ذلك : “يا للمجرم! يا للوحش! كان يجب أن أضربه بالنبوت… نعم سآمر بضربه!”..
ثم ثأر لنفسه بعد ذلك بأن كتب كتابا سماه “عواطف المؤمنين” قال فيه:
“إننا نرثى للأحمق، لكن حين تستحيل حماقته جنونا فاننا نوثق رباطه. وذلك لأن التسامح – وهو فضيلة- يصبح عندها رذيلة.. لقد غفرنا لهذا الرجل رواياته، التي آذى فيها اللياقة والحياء كما آذى المنطق السليم. وحين خلط الدين بقصصه، اضطر قضاتنا إلى محاكاة قضاة باريس.. وبرن… إنه يقول بكل جلاء – وباسمه الصريح … أن ليس في الانجيل معجزات!
هل هو عالم يجادل العلماء؟ لا… بل رجل ما زال يحمل آثار فجوره المخزية… ويجر معه من بلد إلى بلد، المرأة التعسة التي كان سببا في موت أمها، والتي ألقى باطفالها على باب المستشفى… جاحدا كل مشاعر الطبيعة… كإنكاره لمشاعر الشرف والدين… “

– متأكد إن هذا فولتير؟ تسني أقرا عوض القرني !
– رددت عليه قائلا: “لن أزيد… اللهم إلا القول بأنني حين يحضرني الموت أوثر أن أكون قد ارتكبت كل ما يتهمني به المؤلف، عن أن أكون كاتب كتيب كهذا!”

صمتنا قليلا، ثم أخرج روسو بعض الأوراق وقال لي: هذا كتابي الأخير الذي أعده للنشر وفيه كل اعترافاتي، وأرى فيك يا سلطان رجلا نبيها ذكيا عميقا قوي العبارة فصيح اللسان…
– وش دعوا روسو، موب لازم تقلب مصري عشان تطلب من شي… هاه سم وش بغيت؟
– أريد أن تكتب لي مقدمته…
فأخذت الكتاب وقرأته في خمس دقائق، وكتبت المقدمة التي كتبتها في مطلع حديثي عن روسو..
وقبل أن أودعه أعطاني قصاصة ورق مكتوب فيها:
“أول من فكر حين أحاط قطعة أرض في أن يقول: هذه لي. ووجد قوما بلغ بهم العمى ليصدقوه، هو الواضع الحقيقي للمدنية.
وكم من الجرائم والحروب والدماء، كم من التعس والبؤس كان يوفره على الإنسانية ذلك الذي يتقدم ساعتئذ فيقتلع الأعلام أو يردم الخندق المحيط ويصيح في قومه: إياكم والاستماع لهذا الكذاب!”

وكان هذا آخر لقاء بيننا…

2 Responses

اترك رداً على أحمد علوي إلغاء الرد