سلطة من لا سلطة لهم

فاكلاف هافل

أكتوبر، ١٩٧٨

شبح يطارد أوروبا الشرقية، وهذا الشبح يدعى في الغرب: “المنشق”. وهذا الشبح، لم يظهر هكذا فجأة من الهواء، بل إنه نتيجة طبيعية لا مفر منها للفترة التاريخية الحالية للنظام الذي يقوم بمطاردته. فهو قد ولد في وقت أضحى فيه هذا النظام، لأكثر من ألف سبب، لا يستطيع أن يستمر في تثبيت نفسه على التطبيق المحض والعشوائي والوحشي للقوة، ملغيا كل التعبيرات عن عدم الانسجام. وما هو أكثر من ذلك، هو أن هذا النظام أصبح متحجرا سياسيا جدا لدرجة أنه لا يوجد عمليا أي وسيلة لعدم الإنسجام هذا أن يتأسس في إحدى مؤسساته الرسمية…
غالبا ما يتم تصنيف نظامنا باعتباره استبدادا أو، بدقة أكثر، استبداد البيروقراطية السياسية على مجتمع يقاسي  تفككا اجتماعيا واقتصاديا. وأخشى أن مصطلح “استبداد”. بغض النظر عن قدرته على التفسير في مواضع أخرى، ينزع إلى الطمس هنا أكثر منه إلى توضيح الطبيعة الحقيقية للسلطة في هذا النظام. فعلى الرغم من أن استبدادنا قد عزل نفسه بشكل كامل منذ زمن عن الحركات الاجتماعية التي أنجبته للحياة، إلا أن أصالة هذه الحركات (وأنا أفكر هنا بالحركات البروليتارية والاشتراكية في القرن التاسع عشر) أمدته بتاريخية لا يمكن نكرانها. هذه الأصول توفر أساسات متينة من ذلك النوع الذي يمكّنه من البناء عليها بحيث يصبح واقعا اقتصاديا وسياسيا جديدا بالكلية كما هو اليوم، أي يصبح بشكل لا يمكنه الفكاك عنه جزءا من بنية العالم الحديث… فهو يحكم عبر أيديولوجية لا مثيل لها من حيث الدقة، والترابط المنطقي، وعمومية الاستيعاب، وكذلك، وبشكل جوهري، شدة المرونة، وهي بوضوحها وكمالها تعتبر تقريبا دينا معلمنا. فهي توفر إجابات جاهزة لأي سؤال كان، ومن النادر أن يتم قبولها جزئيا، وقبولها يحمل معه تبعات عميقة على الحياة البشرية. ففي زمن أضحت فيه اليقينيات الميتافيزيقية والوجودية في أزمة، وأضحى فيه الناس مذررين ومغتربين وفاقدين للحس الذي يجعل للعالم أي معنى، يصبح لدى هذه الأيديولوجية بشكل لا مفر منه سحرا مخدرا…
الفرق العميق بين نظامنا – من حيث طبيعة السلطة- وما نفهمه تقليديا من مصطلح استبداد، وهو فرق أتمنى أن يكون واضحا حتى في هذه المقارنة التي تبدو سطحية، جعلني أبحث عن مصطلح أكثر ملائمة لنظامنا، وتحديدا من أجل أهداف هذه المقالة. فإذا أشرت إليه باعتباره نظاما (مابعد-شمولي)، فأنا مدرك كليا بأنه قد لايكون هذا المصطلح الأكثر دقة، ولكني لست بقادر على التفكير بأفضل منه. ولا أريد أن يفهم من وضعي للسابقة (مابعد) أني أقصد أن النظام ليس شموليا؛ بل على  العكس، فأنا أعني أنه شمولي بطريقة تختلف جوهريا عن الإستبداد الكلاسيكي، تختلف عن الشمولية كما نفهمها عادة.

******

مدير محل للخضار والفواكه يضع في نافذته، بين البصل والجزر، الشعار التالي: (يا عمال العالم، اتحدوا!). لماذا يفعل ذلك؟ ماذا يريد أن يوصل للعالم؟ هل هو فعلا متحمس إلى هذه الدرجة لفكرة الوحدة بين عمال العالم؟ هل حماسه عظيم جدا لدرجة أنه يشعر بقوة لا يمكنه كبحها أن يعرّف العامة بمثله العليا هذه؟ هل فكّر لأكثر من لحظة واحدة حول كيف لتوحيد مثل هذا أن يتم وماذا يعني بالضبط؟
أعتقد أنه يمكن بسهولة افتراض أن الغالبية الساحقة من أصحاب المحلات لم تفكر أبدا في هذه الشعارات التي يضعونها في نوافذهم، ولا تستخدمها من أجل التعبير عن آرائها الحقيقية. فهذا الملصق قد وصل إلى لصاحبنا بائع الخضار من الإدارة الرئيسية للمشروع مع ما يصله من بصل وجزر. ويقوم بوضعها جميعا في النافذة لأن هذا ما كان يتم القعمل به منذ سنوات، أي لأن الجميع يفعلونه. ولو رفض، لكانت مصيبة. فقد يلام ويوبخ على عدم وضعه الديكور المناسب لنافذته؛ وقد يتهمه أحدهم بانعدام الوطنية. هو يقوم بذلك لأن هذه الأشياء لابد من القيام بها إذا أراد المرء أن يحيا بسلام. إنها واحدة من بين آلاف التفاصيل التي تضمن له حياة هادئة نسبيا، أو – كما يقولون- (متناغمة مع المجتمع).
إنه لمن الواضح أن بائع الخضروات … لا يضع هذا الشعار في نافذته انطلاقا من أي رغبة شخصية لتعريف العامة بالرسالة التي يفصح عنها. لكن هذا، بالطبع، لا يعني بأن عمله كان بلا أي دافع أو أهمية من أي نوع، أو أن الشعار لا يتواصل بأي شيء مع أي أحد. فالشعار حقيقة هو رمز، وبالتالي فهو يحتوي على رسالة جوهرية لكنها مختصرة جدا. وبكلمات قليلة، يمكن التعبير عنها بهذه الطريقة: (أنا، بائع الخضرة س، أعيش هنا وأعلم بالضبط ماذا علي أن أقوم به. أنا أتصرف تماما كما هو متوقع مني أن أفعل. يمكن الاعتماد علي فانا بعيد عن اللوم أو التوبيخ. وكذلك، أنا مطيع، وبالتالي لي الحق أن أترك بسلام). وهذه الرسالة، بالطبع، لها وجهة: إنها موجهة إلى أعلى، إلى رئيس بائع الخضار، وفي الوقت نفسه هي درع تحمي بائع الخضار من المخبرين المحتملين. وبالتالي، فالمعنى الحقيقي للشعار متجذر بقوة في وجود بائع الخضار. إنه يعكس مصالحه الجوهرية. لكن، ما هي بالضبط هذه المصالح الجوهرية؟
لنسجل هذه الملاحظة: لو أُمر بائع الخضار بأن يعرض هذا الشعار: (أنا جبان، وخاضع بشكل كامل)، فهو غالبا لن يكون بهذه اللامبالاة اتجاه معانيها، حتى لو كانت العبارة تعكس الحقيقة. سيشعر بائع الخضار بالخزي والعار بأن يضع عبارة واضحة عن وضعه المهين في نافذة المحل، وسيكون ذلك طبيعيا، نظرا لكونه كائن بشري، وبالتالي لديه احساس بكرامته. من أجل تجاوز هذه التعقيدات، فإن تعبيره عن ولاءه يجب أن يأخذ صورة رمز يشير – على الأقل في ظاهر النص- إلى اعتقاد لا يعبر عنه مباشرة. وهذا بطريقة تجعل من صاحب المتجر يقول: (ما المشكلة في توحّد عمال العالم؟). أي أن هذا الرمز يساعد بائع الخضار أن يخفي عن نفسه الأسس الهشّة لخضوعه، وفي نفس الوقت يخفي الأسس الهشة للسلطة. إنه يخبئهم خلف واجهة شيء رفيع. وهذا الشيء هو الأيديولوجيا.
ليست الأيديولوجيا إلا طريقة مخادعة للإرتباط بالعالم. إنها توفر للبشر وهم أن لهم هوية، لهم كرامة، ولهم أخلاق في نفس الوقت الذي تجعل من السهل لهم أن ينفصلوا عنها جميعا. وكمستودع لشيء متجاوز وموضوعي، تسمح للناس بأن يقوموا بخداع ضميرهم وإخفاء موضعهم الحقيقي  وتواطؤهم المهين من العالم وكذلك من أنفسهم. إنها طريقة براغماتية، لكنها في نفس الوقت تمجيدية لشرعنة ما هو فوق، وما هو تحت، وما هو موجود في كل جانب. إنها موجهة إلى الناس وإلى الله. إنها حجاب تستطيع الكائنات البشرية أن تخفي ورائها وجودهم المنحط، سخافتهم، وتكيفهم مع الوضع القائم. إنها عذر بإمكان الجميع التعذر به، من بائع الخضرة، الذي يخفي خوفه من أن يخسر وظيفته خلف اهتمام مدعّى في توحيد عمّال العالم، إلى أعلى منصب، والذي مصلحته في البقاء في السلطة يمكن تغطيتها في عبارات حول خدمة الطبقة العاملة. إذن، الوظيفة التبريرية الرئيسية للأيديولوحيا هي أن تزود الناس – سواء كانوا ضحايا أم أعمدة للنظام المابعد شمولي- بوهم أن النظام متناغم مع التراتب البشري وتراتب الكون…
النظام مابعد الشمولي يلامس الناس في كل خطوة، لكنه يفعل ذلك مرتديا قفازاته الأيديولوجية. وهذا السبب الذي يجعل الحياة في نظام كهذا يتخللها النفاق والكذب بالكامل: الحكم بالبيروقراطية تسمى الحكم الشعبي، الطبقة العاملة تستعبد باسم الطبقة العاملة، الحط الكامل من شأن الفرد يقدم باعتباره تحريره النهائي، حرمان الناس من المعلومات يتم تسميته بتوفيرها لهم، استخدام السلطة من أجل السيطرة تسمى التحكم الشعبي بالسلطة، والاستخدام العشوائي للسلطة يعتبر احتراما لنص القانون، كبح الثقافة تسمى تنميتها، توسع السيطرة الإمبريالية يقدم باعتباره عونا للمظلومين، انعدام حرية التعبير تصبح الصورة العليا للحرية، انتخابات هزلية تتحول إلى أعلى شكل للديمقراطية، قمع الفكر المستقل يصبح أكثر رؤى العالم علميّة، الاحتلال العسكري يتحول إلى مساعدة بطولية. ولأن النظام أسير لأكاذيبه، فعليه تكذيب كل شيء. إنه يدعي أنه لا يملك أجهزة قمع وحشية. إنه يدعي أنه يحترم حقوق الإنسان. إنه يدعي أنه لا يعذب أحدا. إنه يدعي أنه لا يخشى شيئا. بل إنه يدعي أنه لا يدعي شيئا.
إن الأفراد ليسو مطالبين بتصديق كل هذا الخداع، لكن عليهم أن يتصرفوا كما لو أنهم يفعلون، أو على الأقل أن يتسامحوا معه بصمت، أو أن يتعاملوا بشكل جيد مع أولئك الذين يتعاطونه. ولهذا السبب عليهم أن يعيشوا عبر كذبة. ليس عليهم أن يقبلوا الكذبة. إنه من الكافي لهم أن يكونوا قابلين لحياتهم معها وداخلها. ولأجل هذه الحقيقة المجردة، فإن الأفراد يؤكدون النظام، يشغرون النظام، ويصنعون النظام، بل إنهم هم النظام.

*****

لماذا في الحقيقة قام صاحبنا بائع الخضار بوضع ولائه معروضا على نافذة المحل؟ ألم يقم بعرضها بما فيه الكفاية عبر وسائل شخصية وشبه عامة؟ ففي لقاءات نقابات العمال كان دوما يصوت كما يجب. كان دوما ينحاز إلى أحد الأطراف في المنافسات المتنوعة. صوت في الانتخابات كمواطن صالح. بل إنه قام بتوقيع (ضد الميثاق). لماذا، فوق كل هذا إذن، عليه أن يصرح بولائه علنا؟ فمهما يكن، فإن أولئك الذين يمرون من نافذته حتما لن يتوقفوا لقراءة أن- من وجهة نظر بائع الخضار- على عمال العالم أن يتوحدوا. بل إن الحقيقة، أنهم لن يقرأوا الشعار أبدا، بل يمكن القول أنهم حتى لا يرونه. وإذا حدث أن سألت امرأة وقفت أمام محله عن ماذا رأت في النافذة، فإنها حتما ستقول لك ما إذا كان لديه طماطم أم لا هذا اليوم، لكنها من المستبعد جدا أن تكون قد لاحظت الشعار، دعك من أن تكون قد قرأته.
إنه ليبدو أمرا بلا معنى أن يقوم بائع الخضار بعرض ولائه علنا. ولكن، مع ذلك، هو أمر ذا مغزى. فالناس يتجاهلون شعاره، ولكنهم يفعلون ذلك لأن مثل هذه الشعارات موجودة أيضا في نوافذ المحال الأخرى، على أعمدة الإنارة، ولوحات الاعلانات، ونوافذ الشقق، وعلى البنايات، إنها، في الحقيقة، موجودة في كل مكان. إنها تشكل جزءا من المشهد الشامل للحياة اليومية. وبالطبع، فإن يكن الناس يتجاهلون التفاصيل فما ذلك إلا لأنهم على وعي بهذه المشهد الشامل بكليته. وماذا يكون شعار بائع الخضرة إلا مكوّن صغير لهذه الخلفية الهائلة للحياة اليومية؟
ولأجل هذا، فإن بائع الخضرة عليه أن يضع الشعار على نافذته ليس على أمل أن يقرأها أحد ويقتنع بها، بل من أجل أن يساهم، مع آلاف الشعارات الأخرى، في هذا المشهد الشامل الذي يعيه الجميع جدا. وبالطبع، فإن لدى هذا المشهد الشامل معنى وظيفيا خفيا أيضا: إنه يذكّر الناس بالمكان الذي يعيشون فيه وما هو متوقع منهم أن يقوموا به. إنه يخبرهم بماذا يقوم به الآخرون، ويشير لهم بماذا يتوجب عليهم عمله أيضا إذا كانوا يريدون إلا يتم إقصائهم، أو ألا يقعوا في عزلة، أو ألا يغتربوا عن المجتمع، أو ألا يخالفوا قوانين اللعبة، أو ألا يخاطروا بخسارة السلام والطمأنينة والأمن…
لنتخيل الآن أنه في أحد الأيام أن شيئا ما حدث لصاحبنا بائع الخضار فقرر ألا يجامل الناس بوضع الشعار. وأن يتوقف عن التصويت في انتخابات يعلم أنها مهزلة. وأن يبدأ بقول ما يعتقده فعلا في اللقاءات السياسية. بل أن يتحلى بالشجاعة لأن يعبر عن تضامنه مع أولئك الذين يفرض عليه ضميره أن يدعمهم. وبهذه الانتفاضة فإن بائع الخضار يبتعد خارجا عن العيش داخل كذبة. إنه يكفر بالطقوس ويخالف قواعد اللعبة. إنه يكتشف مرة أخرى هويته وكرامته المنتهكة. إنه يعطي لحريته ميزة صارمة. انتفاضته هذه هي محاولة لأن يعيش مع الحقيقة…
لن تتأخر الفاتورة التي عليه أن يدفعها. سوف يتم تسريحه من عمله في المحل وسيتم نقله إلى المستودعات. سيقلل راتبه. طموحه بإجازة في بلغاريا سيتبخر. وامكانية أن يحظى ابنائه بتعليم عالي ستصبح مهددة. أسياده في العمل سيضايقونه ورفاقه سيشككون به. وغالبية من سيطبقون هذه العقوبات، لن يقوموا بها انطلاقا من أي اعتقاد راسخ وصميم، بل فقط تحت ضغط الظروف، نفس الظروف التي اضطرت بائع الخضار مرة أن يقوم بعرض الشعارات الرسمية. سيقومون بتعذيب بائع الخضرة إما لأن هذا هو ما يُتوقع منهم، أو لإظهار ولائهم، أو ببساطة كجزء من المشهد العام، والذي بواسطته ينشأ وعي بكيف يجب أن يتم التعامل مع أوضاع من هذا القبيل، بإنه هكذا كانت تتم الأمور على الدوام، خاصة ما لم يشتبه أحدهم في نفسه. فالمنفذين هنا يتصرفون بشكل جوهري مثل أي شخص آخر، إن كان بدرجة أعلى أو أقل: أي محض مكّونات للنظام مابعد-الشمولي، كعملاء لآليته، كأدوات تافهة للكلانية الآلية الاجتماعية.
ولهذا فإن بنية السلطة، من خلال عمالة أولئك الذين يحملون العقوبات، من خلال هذه المكونات المجهولة للنظام، ستتقيأ بائع الخضرة من فمها. فالنظام، ومن خلال وجوده المتخفي في الناس، سيعاقبه لتمرده. إن عليه أن يفعل ذلك لأن منطق الآلية التي يعمل بها ودفاعه الذاتي عن نفسه يفرضان عليه ذلك. فبائع الخضرة لم يرتكب اعتداء فردانيا بسيطا، اعتداء منعزلا بفرادته، بل شيئا جديّا بشكل غير قابل للمقارنة. فهو بخرقه لقواعد اللعبة، سبب اضطرابا لها. إذ أنه قد قام بالكشف عن أنها محض لعبة. قام بتفتيت عالم المظاهر، الركن الأساسي لهذا النظام. قام بقلب بنية السلطة وذلك بتمزيق ما يجمعها معها. لقد قال أن الامبراطور عاري. ولأن الامبراطور فعلا عاري، فإن شيئا خطيرا جدا قد حدث: فبعمله هذا، فإن بائع الخضرة خاطب العالم. إنه قد مكن الجميع من أن ينظروا خلف الستارة. إنه عرض للجميع أنه بالإمكان أن يعيش الانسان مع الحقيقة. فالعيش مع الكذب يمكن أن يؤسس النظام فقط عندما تكون الكذبة كونية. فالمبدأ لابد أن يحتضن ويتخلل كل شيء. لا توجد مصطلحات من أي نوع يمكن أن تتعايش مع العيش في ظل الحقيقة، ولهذا فإن جميع من يتجاوز الخطوط الحمراء ينكرها من ناحية المبدأ ويهددها بشكل كليّ…
المجال الأصلي والأكثر أهمية للنشاط، ذاك الذي يحدد كل ما سواه، هو ببساطة محاولة خلق ودعم الحياة المستقلة لمجتمع يمثل تعبيرا صريحا عن العيش في ظل الحقيقة. بكلام آخر، خدمة الحقيقة باستمرار، بشكل مقصود، وبوضوح، وتنظيم هذه الخدمة. فهذا يبدو طبيعيا على كل حال، إذا كان العيش تحت ظلال الحقيقة هو البداية الحقيقية لكل محاولة يقوم بها الناس من أجل مواجهة الضغط التشتيتي للنظام، وإذا كانت الأساس الوحيد ذو المعنى لكل فعل مستقل ذا أهمية سياسية، وكذلك إذا كانت، أخيرا، أكثر المصادر جوهرية لموقف (المنشق)، فإنه من الصعب تخيل أن حتى (المنشق) الصريح يمكن أن يكون له أي أساس غير خدمة الحقيقة، الحياة الحقّة، ومحاولة خلق مكان للأهداف الواضحة للحياة.

اترك تعليقاً