حوار خاص مع “بيضة”

قديما، في بريدة، كنا نتحاشى الحديث مع بعض الطلاب الجالسين في الصفوف الأمامية، كنا ندعوهم “جحح”، خصوصا صديقنا سليمان، فكانت عيارته في الفصل  “جحة الوكيل”. و “جحح” جمع “جحة” وهي البطيخ وكنا نستخدمه بمعنى مخبر. ولأني ابن عائلة من الطبقة المتوسطة الدنيا، وبعد سلسلة من بيوت الآجار التي تنقلنا خلالها، كان أول بيت ملك لنا صادف وأن كان مقابل لمبنى المباحث في الصفراء، أحد أحياء بريدة، وكنت استمتع بمتابعة السيارات التي تدخل وتخرج وكنت أحفظ لوحاتها، فحفظ لوحات السيارات كانت إحدى الهوايات المنتشرة في تلك الأيام. وفي أيام المراهقة، كنا إذا تجمعنا تجمعات شبابية من أجل “دوران” أو “تفحيط” على طريق الربيعية، نعرف المباحث من لوحات سياراتهم، إذ أنهم دائما يحملون لوحات قديمة كلها أرقام، ليست كاللوحات الحديثة التي نصفها حروف ونصفها الآخر أرقام. حينها تغير اسم المباحث إلى “دبابيس”. Continue reading

السكران: عقلانية الوقت بدل الضائع

جميعنا شاهدنا الزلزال المدمر الذي تعرضت له دولة اليابان، ولعل البعض منا يتابع أخبار وتطورات الأزمة النووية التي خلفها الزلزال. كيف تحل الأزمة؟ سؤال صعب، يتشظى اليابانيون أمامه إلى عدة جبهات وأقسام. وفي مثل هذه الأزمات، يصبح أصعب الأشياء هو اتخاذ موقف واعتماد قرار. أما أسهل الأشياء، والتي يستطيع أن يقوم بها أبسط الناس وأقلهم مهارات وقدرات عقلية، هو أن يأتي أحدهم بعد انتهاء الأزمة وانقضاء المحنة: ليقيم “ما كان يتوجب فعله” و “ما كان يتوجب توقعه” ويحدد حدود “المفروض” و “الواقعي”، وينتقد “مثالية” هذا و”جهل” ذاك…إلخ. مهما كانت أحكام وتقييمات مثل هذا الشخص صحيحة ودقيقة، إلا أنها بلا قيمة، فالعبرة بموقفك أثناء “الأزمة” أو “الحدث”، لا موقفك بعد انقضائه إلا إذا كنت تريد تقديم دراسة وصفية لما جرى، أو تقييم عام للأحداث لأهداف أكاديمية بحتة، لا أن تقدم نفسك كمشاركا في الأحداث وفاعلا فيها. فشخص ما اشتم رائحة حريق في منزله، أصابه الهلع، واستنفرت كل حواسه، وتمزق عقله بين إنقاذ نفسه وإنقاذ أسرته وإنقاذ أملاكه، كيف سيستخدم الشخص هنا عقله هو المحك، فإن فر بجلده بانت “أنانيته” وإن مات منقذا غيره تكشفت “تضحيته”… فالأزمات تظهر معادن الناس. أما كيف يستخدم عقله أحد الذين قرأوا خبر هذا الرجل في الجريدة من اليوم التالي وهو يحتسي كوبا من الشاي: فهو غير مهم، ولا يعكس شيئا، وهو بالغالب “فرد عضلات”، لأن لا امتحان حقيقي هنا، اللهم “كاسة شاهي وسواليف”. فأحد علامات الشخصيات العظيمة هي “كيف يفكرون تحت الضغط وفي الملمات”، أما الأشخاص العاديين فهم مخصصين للظروف العادية، أو الانشغال بمتابعة الشخصيات العظيمة. Continue reading

في الفرق بين “المعارض” و “الثائر”

“نادرا ما تضيع الحرية
كلها من أي نوع في وقت واحد”

ديفيد هيوم

كل سلطة
في الدنيا لها معارضين، منهم من تعترف بهم السلطة وبحقهم في المعارضة،
ومنهم من يتم قمعهم. فالديمقراطيون في أمريكا بعد خسارتهم لكثير من
مقاعد الكونجرس في الانتخابات الأخيرة أصبحوا هم المعارضة، وفي الدول
العربية يعيش أغلب المعارضين كلاجئين سياسيين في الغرب. وطالما أننا
نعيش اليوم في هذه الأيام الثورية المجيدة، فإني أود أن أطرح تصوري
للفرق بين “المعارض” وبين “الثائر”، لأني رأيت البعض يخلط بين الأمرين
أو يجعلهما مترادفين.

Continue reading

ماذا يعني أن نعيش في دولة حديثة؟

عندما نقول “دولة
حديثة” فنحن لا نقصد “دولة متطورة” أو “دولة متقدمة” أو “دولة
صناعية”.. هذه المصطلحات مختلفة.

فالدولة المتقدمة تعتبر دولة حديثة، وكذلك الدولة
المتخلفة تعتبر دولة حديثة. الدولة المتقدمة (أمريكا مثلا) يقابلها
الدولة المتخلفة (بنجلادش مثلا)  أو الدولة النامية (الهند
مثلا)، وكلا هذه الأنواع من الدول هي دول حديثة. فالذي يقابل الدولة
الحديثة، ليس الدولة المتخلفة، بل الدولة القديمة أو الدولة
التقليدية.

نحن هنا
لا نتلاعب بالكلمات، فهذا التفريق مهم جدا لنعرف بالضبط “ماذا يعني أن
نعيش في دولة حديثة؟”، وحتى نعرف هذا علينا أن نعود للوراء قليلا
لنعرف كيف كان الناس يعيشون في الدولة التقليدية أو
القديمة.

فمنذ فجر
التاريخ والبشر يعيشون معا، وكونهم يعيشون معا يعني أنهم يشكلون وحدات
سياسية، هذه الوحدات السياسية هي دول. هذه الدول ليست نوعا واحدا، بل
أنواع متعددة تختلف فيما بينها من عدة جوانب. فهناك على سبيل المثال
“الدولة-المدينة”، وهذا نموذج من الدول حدوده مدينة واحدة… وأوضح
مثال عليه هو مدينة مكة قبل الإسلام. فهذه المدينة كانت تمثل وحدة
سياسية واحدة ولم يكن لها ملكا ولا حاكما وكانت أمورها تدار عبر مجالس
كدار الندوة. وكذلك هناك نموذج “الدولة-الامبراطورية” وهي الدولة التي
تعتبر الارض كلها ميدانا لها، ومثالها الدولة الأموية التي كانت
امبراطورية مترامية الأطراف يأمر الخليفة في دمشق أمرا فيستجاب له في
الأندلس. هذه نماذج، هناك نماذج أخرى، فمثلا القبيلة قبل تأسيس
المملكة العربية السعودية كانت تشكل كيانا سياسيا له نوع من السيادة
على رقعة من الأرض، لا يسمح بأفراد القبائل الأخرى بالرعي فيه أو نقل
البضائع خلاله إلا عبر إذن أو دفع رسوم لتلك القبيلة.

Continue reading

المدونة رقم (١)

إنها لأيام عظيمة حقا!

تعجز الكلمات أن تصف النشوة العظمى بهذه الثورات العربية المجيدة. أن هذه الأمة العربية قد قررت أخيرا أن تنتفض، أن تصرخ في وجه كل هذا العالم: أنني هنا. وأن العروبة فوق كل شيء: فوق القطرية، والطائفية، والمذهبية، واختلاف الاديان، الالوان… وأننا بعد أن تماشينا مع وهم وصف انفسنا بأننا سنة وشيعة مسيحين ومسلمين سعوديين وسوريين ومصريين، صفعتنا هذه الثورة لنصحوا على الحقيقة الواضحة البسيطة: أننا كلنا عرب…

إذن هذه (المدونة رقم (١)) بعد أن انتقلت رسميا من مدونتي السابقة (مفازة).

أتمنى أن تجدوا هنا ما يستفزكم على مناقشتي به…

أشكر الأخت ريما على خدماتها التقنية والذوقية التي بدونها ما كان لهذه الصفحة أن تتم.