لعبة الأرقام: أكاذيب النظام السوري

بعد انتهاء مسرحية الانتخابات الرئاسية السورية، بدأ المدافعون عن نظام بشار الأسد باستخدامها كحجة ودليل على تمتع بشار بشرعية انتخابية، مرددين عبارة “الشعب قال كلمته”. لم أكن أتوقع أن هناك من سيصدق أن هذه الانتخابات نزيهة، وأنها ليست محسومة مسبقا، وأنها مثلها مثل كل انتخابات عربيّة قائمة على التزوير والخداع والكذب، وأنها محض مكياج رديء لتجميل وجه نظام شديد البشاعة. ما سأقوم به في هذه التدوينة، يدخل ضمن “توضيح الواضحات”، وذلك من أجل توضيح المستوى الضحل والسطحي من الكذب الذي يقوم به النظام، ومدى الغباء وقصر النظر الذي يتمتع به متابعيه.

من يحق له الترشح للرئاسة؟

في المادة (٣٠) من قانون الانتخابات العام وضع مجلس الشعب عدة شروط على من يريد الترشح للانتخابات الرئاسية من بينها الشروط التالية:

الأول، أن يكون مقيما في الجمهورية مدة لا تقل عن عشر سنوات إقامة دائمة متصلة عند تقديم طلب الترشح.

الثاني، ألا يحمل جنسية أخرى غير الجنسية السورية.

الثالث، ألا يكون محكوما عليه بجرم شائن. ليس هذا فقط بل “وحتى لو رد إليه اعتباره”.

بهذه الشروط، تم إقصاء كل المعارضة السورية ومنعهم مسبقا من أي احتمال للترشح، وذلك أن معارضي لا يخلو أحدهم من أن يكون في المنفى أو مسجونا، وغالبا لا تنطبق هذه الشروط إلا على النخبة المقربة من النظام.

إذا انطبقت الشروط، كيف تتم الموافقة على المرشح؟

في المادة الـ(٨٥) من الدستور السوري توجد الشروط الضرورية لقبول ترشح من تنطبق عليه الصفات السابقة للانتخابات الرئاسية:

١- أن يكون لديه تأييد خطي من قبل ٣٥ عضوا من مجلس الشعب السوري.

مجلس الشعب يتكون من ٢٥٠ عضوا، ١٦٨ من أعضائه ينتمون للجبهة الوطنية التقدمية (وهو تحالف مجموعة من الأحزاب اليسارية يقودها حزب البعث أسسه حافظ الأسد في السبعينات)، أما الـ ٨٢ مقعد المتبقي، ف٧٧ منها للمستقلين (الاستقلال هنا لا يعني استقلالا عن التبعية للنظام، بل استقلالا عن الانتماء الشكلي لأي حزب، ويمكن فهمها أيضا بأنهم رجال العشائر الذين يقوم النظام بكسب ولائهم بهذه المقاعد، ولا يصلون إليه إلا بعد المرور بعملية فحص دقيقة من قبل أجهزة المخابرات السورية). يبقى ٥ مقاعد للأحزاب “المعارضة” التي سمح لها بالعمل أخيرا في سوريا، من أمثال الحزب القومي السوري الذي يقاتل بعض أعضائه لجانب بشار الأسد في الحرب.

طبيعي إذن أنه لن يتمكن أي شخص معارض للنظام، أو غير مرضي عنه من قبل النظام، أن يحظى بتوقيع ٣٥ عضو من مجلس الشعب.

٢- أن توافق على طلبه المحكمة الدستورية العليا.

وهذه المحكمة يعين أعضائها بشار الأسد نفسه، وهي الحصانة الأخيرة التي من خلالها يتأكد بأنه لن يسمح للترشح إلا بمرشحين شكليين لإنجاز العرض المسرحي.

وفعلا، تقدم للمحكمة ٢٨ طلب ترشيح، لم توافق إلا على ٣ فقط، أحدهم هو بشار الأسد طبعا.

كيف قام الشعب بالتصويت؟

التقارير الصحفية حول عملية التصويت كثيرة، من بينها تقرير نشر في النيويورك تايمز وآخر نشر في الوول ستريت جورنال. تتحدث هذه التقارير عن الأساليب التي من خلالها قام النظام بإجبار المواطنين على المشاركة في انتخاب بشار الأسد. يذكر التقرير أن من بين الأساليب كان نقل موظفي الحكومة بالباصات لإجبارهم على التصويت، وتم إغلاق الأحياء بنقاط تفتيش لا تسمح لأحد بالخروج منها ما لم يثبت أنه قد قام بالتصويت، وذكر بعض السوريين للمراسل أنه قام بالتصويت أكثر من مرة، في حين أن آخر يدعى أبو علي كان يمشي هو وابنه ذو الـ١٢ عاما، قال للمراسل: “لقد صوت ٥ مرات، حتى أن ابني ايضا صوت!”، وكذلك شوهد المصوتين وهم يضعون عدد من الأصوات “لأفراد عوائلهم”.

ورغم التشديد الأمني في المناطق التي يسيطر عليها النظام، ورغم إغلاق المحال، إلا أن بعض النشطاء عبر عن معارضته فيها بطريقته الخاصة. فتنظيم طلاب المدارس الأحرار قام بصبغ مياه نهر العاصي باللون الأحمر تعبيرا عن تنديده بالانتخابات.

الديموغرافيا السورية

بحسب المادة الرابعة من قانون الانتخابات الذي أقره مجلس الشعب السوري فإن المواطن السوري يحق له التصويت إذا كان عمره ١٨ فأكثر. السؤال الذي سنحاول الإجابة عليه الآن: كم عدد السوريين اليوم الذين يتجاوز أعمارهم ١٨ عام؟ سنحاول الإجابة على هذا السؤال بالاعتماد على أرقام موقع المكتب السوري المركزي للإحصاء، وهي الجهة الرسمية في نظام البعث المسؤولة عن الاحصاءات الحكومية. وهي آخر جهة يمكن لأي داعم لنظام البعث أن يشكك بها.

١- عند تصفح الموقع، سنجد أن آخر تعداد عام للسكان في سوريا كان في عام ٢٠٠٤م. وكان عدد سكان سوريا في هذا الاحصاء: ١٧ مليون و٨٧٤ ألف و٥٨٩ نسمة، وأن عدد السوريين منهم هو ١٧ مليون، و٤٤٧ ألف، و٩٥١ نسمة.  وفي نفس الموقع نجد أن عدد السوريين اليوم هو ٢٢ مليون، و٦٧٦ ألف، و٨٦٨.

ونظرا لكون إحصاء ٢٠٠٤ كان قبل عشر سنوات، فقطعا أن الزيادة هذه كلهم أعمارهم أقل من عشر سنوات، أي أقل من العدد المسموح به للتصويت.

٢- السؤال الآن، كم من الـ١٧ مليون و٤٤٧ ألف و٩٥١ نسمة، كان فوق الـ ١٨ يوم الانتخاب؟

في نفس الموقع نجد نسب التوزيع العمري للسكان عام ٢٠٠٤م. من كان عمره عام ٢٠٠٤: ٨ سنوات، فإن عمره عام ٢٠١٤: ١٨ عام. إذا ما يهمنا هنا هو معرفة كم عدد الذين كانت أعمارهم ٨ سنوات وأكثر عام ٢٠٠٤.

ومن التقرير نجد أن أعداد الذين أعمارهم ١٠ سنوات فأعلى: ١٣ مليون و١٢ ألف و٧٠٠ نسمة.

أما الذين أعدادهم من ٥-٩، فهم: ٢ مليون، و١٦٢ ألف، و٨٢٥ نسمة.

لو فرضنا أنهم موزعين بالتساوي على كل سنة، فإن الذين أعمارهم من ٨-٩ سيكون عددهم: ٨٦٥ ألف، و١٣٠.

وهكذا يصبح مجموع من أعمارهم فوق الـ١٨ عاما في سوريا: ١٣٨٧٧٨٣٠ ( أو ١٣ مليون، و٨٧٧ ألف، و٨٣٠)

ملاحظة: يفترض أن أخصم عدد الذين توفوا من عام ٢٠٠٤-٢٠١٤ وهم كثر (خصوصا أولئك الذين قتلهم النظام بنفسه بعد الثورة) إلا أني لن أقوم بذلك، وسأفترض أنهم أحياء وذلك إمعانا في تأكيد نقطتي التي أحاول اثباتها هنا.

٣- سنخصم من هذا الرقم اللاجئين في البلدان التي لم يجر فيها انتخابات:

 تركيا: ٧٧٤ ألف و٦٣٥، ومن أعمارهم فوق الـ١٨: ٣٦١ ألف، و٧٥٤ نسمة.

مصر: ١٣٧ ألف و٦٩٧، ومن أعمارهم فوق الـ١٨: حوالي ٧٨ ألف.

يصبح مجموعهم: ٤٣٩ ألف و ٧٥٤.

أي أن مجموع من يستطيعون التصويت تقريبا هو: ١٣ مليون، و ٤٣٨ ألف، و٧٦ نسمة. (١٣٤٣٨٠٧٦).

٤- سنخصم الآن عدد السوريين الموجودين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، ونظرا لأن عملية حساب هذا العدد صعب جدا (لانعدام أرقام موثوقة، وبسبب الهجرة الداخلية، والقتل، والاعتقال…إلخ) فإني سأضع فرضية محافظة، وهي أن ٢٥٪ ممن هم فوق الـ٨ سنوات من تعداد عام ٢٠٠٤ ما زالوا موجودين في أماكنهم. وسأعتمد على خارطة البي بي سي في تحديد المناطق الخارجة عن سلطة النظام:

١- حلب: عدد من هم فوق الـ٨ سنوات عام ٢٠٠٤: ٣ مليون، و ٨٦ الف. الـ٢٥٪ منهم = ٧٧١ ألف نسمة.

٢- إدلب: عدد من هم فوق الـ٨ سنوات عام ٢٠٠٤: ٩٤١ ألف. الـ٢٥٪ منهم = ٢٣٥ ألف نسمة.

٣- الحسكة: عدد من هم فوق ال٨ سنوات عام ٢٠٠٤: ٩٩٠ ألف. الـ٢٥٪ منهم= ٢٤٧ ألف نسمة.

٤- دير الزور: عدد من هم فوق ال٨سنوات عام ٢٠٠٤: ٧٣٥ ألف. ال٢٥٪ منهم= ١٨٣ ألف نسمة.

٥- الرقة: عدد من هم فوق ال٨ سنوات عام ٢٠٠٤: ٥٩٣ ألف، ال٢٥٪ منهم= ١٤٨ ألف نسمة.

المجموع: ١ مليون، و ٥٨٤ ألف.

أي أن مجموع من يستطيعون التصويت في الانتخابات ممن يبلغون من العمر أكثر من ١٨ عام في سوريا يساوي تقريبا ١١ مليون، و٨٥٤ ألف، و٧٦ نسمة. (١١٨٥٤٠٧٦).

ادعاءات النظام

عند إعلانه للنتائج، يدعي النظام التالي:

١- عدد من يحق لهم التصويت: ١٥ مليون، و٨٤٥ ألف، و٥٧٥ ناخب.

وهذا كذب، قد وضحنا أن العدد: ١٣ مليون، و٨٧٧ ألف، و٨٣٠ ناخب.

٢- من أدلى بصوته: ١١ مليون، و٦٣٤ ألف، و٤١٢ صوت.

وهذا كذب، إذ قد وضحنا أن العدد الكلي لمن يستطيع التصويت هو ١١ مليون و٨٥٤ ألف و٧٦ نسمة، وفي الأحوال العادية تكون نسب الإقبال على التصويت بين ٥٥-٦٥ ٪، ولكن لو وضعنها ٧٤٪ كما يدعي النظام (رغم صعوبة تصديق ذلك نظرا لنزوح السكان الداخلي والخارجي، وحالة الحرب…إلخ)، فإن الأصوات المحتملة ستكون: ٨ مليون، و٧٧٢ ألف. أي أقل بمليون ونصف من الاصوات التي يدعي بشار أنه حصل عليها.

خاتمة

أعلم جيدا أن المؤدلج تحتاج أن تثبت له وجود العالم حتى تستطيع أن تبدأ نقاشا معه، وأن الأحمق بحكم التعريف لا يعترف بالعقل. لكن لا يمكن فضح هؤلاء إلا باخضاعهم للحجج التي لا يستطيعون ردها ولا مناقشتها، وإنما يكتفون بترديد شعاراتهم الفارغة ليبرروا لأنفسهم دعمهم لهذا المستبد المجرم الذي اسمه بشار الأسد.

اترك تعليقاً