حوار افتراضي بين مقاطع للانتخابات البلدية ومشارك

هذا الحوار الافتراضي هو حصيلة نقاشي مع عدد كبير من المقاطعين، أرجو أن يكون ممتعا 🙂

المشارك: مرحبا عزيزي المقاطع…

المقاطع: مرحبتين..

– لماذا أنت مقاطع للإنتخابات؟

– أنا مقاطعها من أجل الإصلاح، وأنت لماذا تشارك فيها؟

– أنا مشارك فيها أيضا من أجل الاصلاح.

– إصلاح! يبدو أنك “على نياتك” يا عزيزي المشارك…

– أنا “على نياتي” ونياتي صادقة بإذن الله، لكن خبرني ماذا تقصد بالإصلاح؟

– الإصلاح يا عزيزي هو أن “المقاطعة اليوم موقف يؤسس لمشاركة فاعلة في الغد”؟

– كيف ذلك؟ هل تشرح لي؟

– نعم أشرح لك، المجالس البلدية الحالية لا صلاحيات لها، والانتخاب يكون لنصف المجلس، والمرأة ممنوعة من المشاركة.. كل هذا يدفعنا لمقاطعتها.

– جميل جدا، لكن هذا الجواب يحكي الأسباب التي قادتك للمقاطعة، لكنها لا تحكي الأهداف من هذه المقاطعة. أنت تقول أن المقاطعة هدفها الإصلاح، وذكرت المشاكل التي تعاني منها المجالس، فهلا أخبرتني كيف ستؤدي المقاطعة إلى حل هذه المشاكل؟

– طبعا ستحل هذه المشاكل، عندما ترى الدولة أن الجماهير الغفيرة قاطعت المجالس فهي ستقوم بتعديل الصلاحيات واشراك المرأة وستجعل انتخاب المجلس كاملا

– اسمحلي، لكن ما الذي يضمن لك أن هذه ستكون ردة فعل الوزارة من المقاطعة؟

– هاه! لن يكون أمامها إلا هذا الخيار..

– حسنا، دعني أعطيك سيناريو آخر: الإعداد من أجل الانتخابات البلدية يستهلك مبلغا من ميزانية الوزارة، وعندما لا يكون هناك اقبال من الناس على المشاركة، فالخيار الاقتصادي الأفضل هو أنها ستستغني عن اشراك الناس وستلغي الفكرة من أساسها.

– لا هذا لن يكون…

– لماذا لن يكون؟ ما الذي يمنع من أن يكون؟ الانتخابات نفسها لم تأت نتيجة مطالبات شعبية، بل جاءت من الحكومة نفسها، وكما جاءت منها تستطيع إلغاءها..

– ماذا تقصد؟

– أقصد أن الانتخابات نفسها جائت كنتيجة لظرف دولي احتاجت فيه الدولة أن تعلن عن انتخابات، فهي لم تأتي نتيجة ضغوط جماهيرية أو حتى بيانات إصلاحية، وأنت تعرف مصير البيانات الاصلاحية… كلها كان مصيرها التجاهل. الآن الظرف الدولي زال، وبالمقاطعة وتشجيع الناس عليها أنت تعطي الدولة مبررا على طبق من ذهب لإلغاء الانتخابات.

– لا لا أظن أنك تبالغ..

– لماذا أبالغ، كلنا قرأنا تصريحات شخصيات قريبة من الدولة كاللحيدان وآل زلف وغيرهم في تنفيرهم من المشاركة في الانتخابات وأن الناس غير مستعدين، بل إن اللحيدان قال أنه يتمنى أن العزوف عن هذه الانتخابات يكون سببا في إلغاءها.

– ستتضرر سمعة الدولة في حال ألغيت..

– يبدو أنك لا تعرف التاريخ ولا تفهم في السياسة:

أولا، إلغاء مؤسسات انتخابية هذا سبق أن حدث في التاريخ السعودي، فقد كان هناك مجلس شورى منتخب ومجالس بلدية ومجالس مناطق منتخبة، وكلها تم الغاءها.

ثانيا، أن النفوذ الأمريكي الخارجي الآن في أضعف درجاته، فهو ليس مثلما كان في عهد بوش، حيث تشن امريكا حروبا على العراق وافغانستان وتهدد سوريا وغيرها. الآن تحدث ثورات في كافة الارجاء ولا تستطيع الولايات المتحدة التحكم بها، تقتحم قوات درع الجزيرة البحرين ولا تفعل امريكا شيئا، اسعار البترول وصلت حدودها القصوى وعجز الميزانية الامريكية هي القضية الجوهرية الحاسمة… هذا غير أن خطاب أوباما في القاهرة كان واضحا في تخليه عن مذهب بوش في الإرغام على الديمقراطية.

فمن سيأبه إن ألغت السعودية الانتخابات البلدية؟ والعالم كله مشغول بثورات كبرى وأزمات اقتصادية تغير وجه العالم كله؟

– حسنا كل كلامك منطقي، قد لا تؤدي المقاطعة إلى تحقيق الاصلاحات، لكنها على الأقل لن تضفي الشرعية على هذا المجلس..

– ماذا تعني بالشرعية؟

– أعني أنه لن يكون مجلسا شرعيا..

– أعتقد أنك لا تفهم معنى الشرعية جيدا، المؤسسة التي لا شرعية لها، هي التي لا تعتبر إجراءاتها وما يصدر عنها ملزمة.

– طيب؟

– هل في حال مقاطعتك للانتخابات… هل ستصبح المجالس أو البلديات والامانات فاقدة للشرعية بحيث تصبح أنت كمواطن غير ملزما بالتقيد بأنظمتها وقوانينها؟

– لا

– إذن هي شرعية بمقاطعتك أم بدونها، وستلتزم بقوانين البلدية سواء كان هناك مجلس بلدي أم لا، وسواء كانت هناك انتخابات أم لا. فشرعيتها تكتسبها بأنظمة صادرة من مجلس الوزراء الذي يستمد شرعيته من النظام الأساسي للحكم، والذي يستمد شرعيته من الملك الذي هو مصدر الشرعية لا أنت.

– هذا هو ما نقوله أن هذه الانتخابات لا تعترف بالشعب كمصدر للشرعية..

– كل الأنظمة في البلد لا تعترف بالشعب كمصدر شرعية… هذه قضية مختلفة، كل ما أريد إثباته أن قولك “لا نريد أن نضفي لها شرعية” لا معنى له أبدا، لأنك أنت لست مصدر شرعية.

– حسنا أنت شاطر بمحاصرة أطروحتي لننتقل إليك أنت كيف ترى أن المشاركة ستقود إلى الإصلاح؟

– جميل، لنتفق على عدة مسائل.

– تفضل

– أولا ليس صحيحا أن المجلس البلدي بلا صلاحيات، بل هو بصلاحيات محدودة، وهو أقرب للجهة الاستشارية شبه الالزامية.

كما أنه ليس صحيحا أن المجالس البلدية لم تقم بأي انجاز في الفترة السابقة، لأنها ليست كلها متماثلة: هناك مجالس كان أداءها شديد السوء وهناك مجالس كان أداءها مقنعا وأخرى جيدا… فهذه المجالس تدرس الميزانيات وتبدي توصياتها بخصوصها، وتراجع الهيكل الاداري للأمانات والبلديات، وتتدخل في تشجيع الاستثمار داخل المدينة ولها الصلاحية في الاستفسار وطرح مسائل المشاريع المعاقة والمتأخرة وغيرها، أي أن كل هذه المسائل التي كان يتم تداولها في الخفاء دون أي إطلاع لأهالي البلدية عنها، أصبحت مع هذه المجالس تدار في العلن وهذا بحد ذاته تقدم باتجاه الشفافية وتقليص لفرص الفساد وغيره.

صحيح أن هذه الصلاحيات محدودة جدا، ولا ترقى لمستوى الطموح لكن لا يمكن أبدا اعتبارها معدومة. هذه النقطة الأولى.

– حلو، وما هي النقطة الثانية؟

– النقطة الثانية وهي المتعلقة بموضوع المرأة.. فعدم إشراكها ليس مسألة نظامية أو قانونية، أي أن نظام البلدية ولائحتها لا تتضمن أي نصا تمييزيا ضد المرأة، كل ما في الأمر أنه قرار من اللجنة التنفيذية المنظمة للانتخاب في هذه الدورة. فعلى الرغم من رفضنا له وعدم تقبلنا للمسوغات التي طرحت، إلا أن جعله مطلبا أمر مضحك، لأنه ليس نظام بل مسألة تنفيذية… والمقاطعة لن تضغط على هذه اللجنة أن تعيد الكرة من جديد.

– إلى هنا وأنا لا أجد أي خلاف، كل ما تحاوله هو إعادة صياغة الاسباب بشكل آخر..

– ليس هذا فقط، أنا أريد أن أحدد أن جوهر المشكلة التي تعاني منها المجالس البلدية كامن في “اللائحة التنفيذية لعمل المجلس البلدي” وهي لائحة يصدرها وزير الشؤون البلدية والقروية. أي أن مشكلتنا هذه ليست في النظام الاساسي للحكم، ولا في مجلس الوزراء ولا في نظام البلديات بل محصور في هذه اللائحة وعلاقتها بهذا النظام، أي أن الجهة المسؤولة عن هذه المسؤولة والتي يجب الضغط عليها من أجل حلها هي وزارة الشؤون البلدية والقروية.

– ماذا يعني هذا؟

– هذا يعني أنه طالما أن المشكلة محصورة في الوزارة، فأفضل وسيلة للضغط عليها يكون من داخلها، من المجالس نفسها، من المشاركة في الانتخابات والسعي من أجل الفوز بها واستخدامها وسيلة للضغط قدر الإمكان على الوزارة.

– ما الذي يضمن أن هذا الضغط ممكن تحقيقه؟

– أنا لا أملك مثل هذه الضمانات، هذا كله مرهون بمدى قناعة الناس بهذه الفكرة وتحركهم باتجاهها والضغط من أجلها. هنا يتبين مدى تفاعل الناس.

– لكن أكثر الناس قد حسموا أمرهم وقاطعوا الانتخابات..

– هذا ليس صحيحا، فهناك أربعة مواقف اتجاه الانتخابات: موقف المشارك لأسباب شخصية أو لغير هدف الضغط على الوزارة، وهناك المشارك من أجل الضغط على الوزارة، وهناك المقاطع، وهناك غير الآبه… وأنت تحاول الاستذكاء عبر تصوير هؤلاء غير الآبهين كمقاطعين وهذه مغالطة.

– حسنا حسب كلامك هذا، أجد أننا جميعا متفقين على الغاية ولكننا مختلفين في الوسيلة، أتفهم وجهة نظرك واعتبرها وجيهة ولكني ما زلت متمسكا بالمقاطعة.

– أنت لم تستطع فهمي حتى الآن، لا يوجد ما نشترك فيه إلا اتفاقنا على مشاكل الصلاحيات، أما مواقفنا فهي ليست كلها “وسائل” فالمقاطعة ليست وسيلة لأي شيء لأن احتمالية لأن تؤدي إلى إلغاء الانتخابات مساوي بل قد يتجاوز احتمالية تأديتها إلى الاصلاح. أما المشاركة، فهي على أقل تقدير وأسوأ احتمال ستحافظ على استمرار هذه الانتخابات موجودة، كما أنها ستوفر هامشا كبيرا من الحرية من أجل تجمع الناس وتشكلهم وتكوينهم قوى ضاغطة من أجل مصالحهم المشتركة، كما أنها تسمح بمجالات كبيرة من الحركة لإثبات حس المسؤولية العالي عند الناس وأنهم باستطاعتهم وبصلاحيات محدودة تحقيق ما لم يستطع المعينون فعله بصلاحيات شبه مطلقة.

مع الثورات العربية اقتنع الناس أن التظاهر هو الذي يجبر الجهات الادارية على إعطاء الناس حقوقهم، يمكن من خلال الانتخابات إثبات أن الضغط من الداخل هو أيضا يساهم في تمتين الثقة بالناس ومنحهم صلاحيات تجعلهم يديرون أمورهم.

– حججك قوية جدا، سأذهب الآن لاستخراج بطاقة ناخب، ولكن هذا لا يعني أني مؤيد، لكن حتى يكون لدي متسع أكثر بالتفكير فيما تقول

…..

وأدرك صاحبينا الصباح، فسكتا عن الكلام المباح..

2 Responses

  1. رومانسي جداً في هذا الموضوع يا سلطان مع إنك تتلبس بالعقلانية و المنطق، و خصوصاً في جوابك على السؤال الأخير!!.

    يعني أعضاء المجلس المنتخبين سيضغطون على وزير الشؤون البلدية و القروية بحيث يزيد من صلاحيات المجلس؟ يعني معالي الوزير لا يملك أي خيار سوا الإستجابة لضغوط مرشحي الشعب؟ أو ليس له مرجعية واضحة لرئيس مجلس الوزراء و غير واضحة لقوى متنفذه في الدولة. قرارت مثل شمول المراءة بالنظام الإنتخابي أو أن يكون كل أعضاء المجلس منتخبون لا أعتقد أنها بيد معالي الوزير و الذي يملك أن يعطي لأعضاء المجلس منتخبين أو مختارين من قبله الإذن الطرشا كما يقال و لا عنده في أحد.

    أمر أخر تتناساه تماماً في موضوعك هذا هو أن الإنتخاب هذه المره لن يكون على شكل قائمة، بل صوت واحد لمرشح واحد و بالتالي إمكانية وصول مرشحي الشباب ضعيفة جداً لأن المرشح يجب أن يجد له غالبية في منطقته ترشحه بدل أن يجد أخرين من مناطق أخرى في نفس المدينة يرشحونه أيضاً.

    شخصياً أعتقد أن أهم فائدة من دخول الشباب للإنتخابات هى التعود على هذا الجو الجديد علينا و تجمعهم على هدف واحد مهما بدا غير جذري في طريق الإصلاح إلا أنه قد يكون خطوة أولى من أجل خطوات قادمة.

  2. واضح انك مؤيد للمشاركة. لانه أعطيته مساحة اكبر بكثير. النقاش يكاد يكون احمر اللون كلون المشارك.
    كان اجمل لو اتيت باثنين مختلفي الراي وقدت مناظرة بينهما.

اترك رداً على أحمد باعبود إلغاء الرد