العلوم السياسية: ما هي؟ وكيف أقرأ فيها؟

في كل فترة، يأتيني طلب على تويتر أو على البريد الإلكتروني حول كتب مفيدة عن العلوم السياسية. وقررت حينها كتابة تدوينة أضع فيها جوابا مفصلا حول الموضوع.

١- العلوم السياسية… علوم وليست مهارة

كلما أركب مع سائق أجرة أو أوبر ويسألني ماذا تفعل؟ أجيبه: “أدرس علوم سياسية”، فيرد علي: “أووه، ستكون رئيسا للسعودية؟”. هذه قصة، قصة أخرى تتعلق بأسلوبي الحاد والمباشر بعض الشيء، والذي يوقعني عادة في مشاكل وسوء فهم كان بإمكاني عدم الوقوع فيها لو كنت أقل نزقا. في مثل هذه الموضوع، تعلق علي أختي، أو أمي:  “هذا وأنت دارس سياسة ولا تعرف تحل الموضوع”.

في كلا هذه الحالات نجد أن هناك فهم شائع لدارس العلوم السياسية، بأنه يتعلّم مجموعة مهارات كي يصبح سياسيا، أو مرشحا، أو دبلوماسيا بارعا. هذه الفكرة الشائعة خاطئة. العلوم السياسية هي- كما اسمها يقول- “علوم” وليست مهارات. دارس العلوم السياسية مثله مثل أي متخصص أكاديمي- إلا من رحم ربي- انطوائي وفاشل اجتماعيا وليس لديه المهارات الكافية في التعاطي مع الحيل والمكايد والخداع  والنفاق الذي يحدث في عالم السياسة والتي تحتاج لمهارات كثيرة وتعوّد كأي صنعة أو مهنة. 

فإن كنت تظن أن العلوم السياسية تخصص يساعدك لكي تصبح ناشطا سياسيا، أو موظفا دبلوماسيا، أو مفاوضا بارعا، أو وزيرا كبيرا، فأنت مخطئ.

 

٢- التحليل السياسي ليس هو دراسة العلوم السياسية

قد يستطيع متخصص في الطقس والمناخ تقييم سياسات وعمل مؤسسة “الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة”، وقد يستطيع متخصص في الآركيولوجيا تقييم عمل “هيئة السياحة والآثار”، وقد يستطيع متخصص في هندسة الإتصالات تقييم سياسات هيئة الإتصالات…إلخ. لكن قدرتهم على تحليل وتقييم سياسات هذه المؤسسات لا يعني أن تحليل السياسات هو جوهر علومهم ومعارفهم. نفس الأمر بالنسبة للعلوم السياسية، فالمتخصص في العلوم السياسية يستطيع تحليل سياسات دولة ما أو مؤسسات داخلها، لكن هذا ليس هذا هو عمل عالم السياسة الرئيسي، فعمل عالم السياسة الرئيسي هو دراسة الظواهر السياسية بشكل عام. أسئلة مثل: “متى يتحول النظام المستبد لديمقراطية؟”، “ما علاقة الديمقراطية بالتنمية الإقتصادية؟”، “ما هي أسباب الثورات؟”، “متى تظهر الحروب الأهلية وكيف تنتهي؟”…إلخ.

فإن كنت لا تهتم لفهم هذه الظواهر العامة في العالم السياسي، وهدفك الرئيسي هو تعلم أدوات تحليل القرارت والأحداث اليومية، فالعلوم السياسية ليست هي المكان المناسب لك، بل يجب أن تدرس تخصص (السياسات العامة) أو (الإدارة العامة) أو ربما تدرس في البرامج المخصصة لمناطق جغرافية محددة كالدراسات الشرق الأوسطية أو الدراسات الأوروبية أو الدراسات اللاتينية والتي تجمع التاريخ بالسياسة بالاقتصاد وطرق التحليل وأدواتها وتستطيع التخرج منها كمحلل للسياسات والقرارات اليومية. هذا لا يعني أن تخصص العلوم السياسية لا يزودك بهذه الأدوات والمهارات، لكن ليست هذه هي الغاية الرئيسية منه، بل الغاية هي دراسة هذه الظواهر العامة في العلوم السياسية.

 

٣- هل العلوم السياسية علوم بنفس معنى العلوم الطبيعية؟

هناك خلاف حول هذا الموضوع، ولكن بشكل عام، فإن الإقتصاد والعلوم السياسية وعلم الإجتماع، في الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا، تدرس السلوك الإنساني بنفس المنهجية العلمية التي يدرس فيها الفيزيائيون والبيولوجيون والكيميائيون مواضيعهم. أي أنهم يعتمدون منهجية امبريقية في دراسة موضوعهم.

ما هي أهم مسلمات هذه المنهجية العلمية؟ أولا، أنها تسلّم بوجود عالم خارج الوعي البشري، ثانيا، أن بإمكان الوعي البشري إنتاج معرفة عن هذا العالم. ثالثا، أن هذه المعرفة ليست بالضرورة قطعية. هناك من الباحثين والفلاسفة المنتمين لمدارس ما بعد الحداثة وغيرها من المناهضين للمدرسة الوضعية يشككون في هذه المسلمات وغيرها من التي يقوم عليها المنهج العلمي، وهذه النقاشات مفيدة ومهمة للباحث حتى يعرف حدود معرفته وتحيزاتها السياسية (انظر على سبيل مثال هذا الفصل المترجم لليزا واديين والذي تنتقد فيه العلوم السياسية ، لكن التيّار السائد في العلوم الإجتماعية، حتى اليوم وفي الولايات المتحدة تحديدا، ما زال يعتمد المنهجية الإمبريقية العلمية في دراسة السلوك الإنساني.

والبحث العلمي- حسب ما يفهمه هذا التيار العريض من علماء السياسة- يقوم على أربعة أركان:

١- أن هدف البحث هو الإستنتاج. فالبحث العلمي مصمم بطريقة تهدف للوصول إلى استنتاجات وصفية أو تفسيرية انطلاقا من معلومات وبيانات مأخوذة من العالم. فليس الهدف هو تجميع البيانات أو وصف الظواهر، بل هذه الخطوة الأولى الضرورية، ذلك أن الخطوة الثانية هي الهدف وهي استنتاج شيء ما إضافي من هذه البيانات والظواهر.

٢- أن طريقة العمل عمومية. أي أن البيانات والمعلومات والملاحظات التي يستخدمها عالم السياسة في عمله يجب ألا تكون سريّة وخفيّة، بل علنية وظاهرة حتى يتمكن أي شخص من الإطلاع عليها والتأكد من سلامتها وسلامة الإستنتاجات التي يقدمها الباحث بناء عليها.

٣- النتائج ليست قطعية. فالمنهج العلمي يعتمد على بيانات ومعلومات من العالم، هذه المعلومات نفسها لم يتم تحصيلها بشكل قطعي، وليست كاملة. وبالتالي فإن أي استنتاج منها هو عمل ظنيّ بالضرورة وليس قطعيّا. (وهذا الأمر ليس محصورا في العلوم الإجتماعية، بل يشمل العلوم الطبيعية أيضا رغم كل هالة القداسة التي تحيط بها). ولأن النتائج غير قطعية، واحتمالية، فحتى يكون البحث علميا، يجب على الباحث تقديم تقدير لمدى احتمالية استنتاجاته.

٤- المحتوى هو المنهج. البحث العلمي قائم على قواعد وطرق منهجية للإستنتاج. وحتى يكون البحث علميا، يجب على الباحث توضيح الطرق والمنهجية التي جمع فيها معلوماته واستنتج منها استنتاجاته.

إن وصلت للقراءة إلى هنا، فهذا يعني أنك ما زلت مهتما بهذه العلوم وتريد حقا التزوّد بقائمة كتب بالعربية لتحسّن من حصيلتك حوله، وهذا ما سأفعله في الفقرة التالية.

٤- قائمة الكتب الرئيسية في السياسة المقارنة

قسم العلوم السياسية ينقسم لعدة أقسام فرعية: هناك قسم اسمه “السياسة المقارنة”، وهناك قسم اسمه “العلاقات الدولية”، وهناك قسم اسمه “النظرية السياسية”، وهناك قسم اسم “السياسة العامة”، وهكذا. القسمين المشهورين هما الأوّلين، أما النظرية السياسية فهو أقرب ما يكون للفلسفة السياسية. وبما أن تخصصي هو السياسة المقارنة، فسأحصر هذه القائمة بالكتب المتعلقة بهذا المجال. والمقصود بالسياسة المقارنة متنازع عليه، لكن غالبا المعتمد هو الظواهر التي تحدث داخل الدولة وليس بين الدول. فمثلا ظاهرة مثل “الحرب الأهلية” تقع دراستها داخل السياسة المقارنة، أما ظاهرة مثل الحرب بين الدول، فتدرس ضمن العلاقات الدولية. أما ظاهرة مثل شكل نظام الحكم، فهذا ضمن السياسة المقارنة، أما المؤسسات الدولية مثل مجلس التعاون الخليجي فدراسته تقع ضمن العلاقات الدولية.

قبل أن أضع القائمة، أحب أن أذكر أن المكتبة العربية للأسف فقيرة جدا في الكتب العلمية المتخصصة في العلوم السياسية، لهذا وضعت في القائمة الكتب الكلاسيكية في السياسة المقارنة المترجمة. هذه الكتب أساسية ومهمة، لكنها لا تمثل القول في الفصل في موضوعها، فالأبحاث في العشرين سنة الماضية تجاوزت كثيرا من مقولاتها. لكن الغالبية الساحقة من هذه الكتب الحديثة غير مترجم.

 

١- بارينجتون مور، الأصول الإجتماعية للدكتاتورية والديمقراطية.

٢- موريس دوفرجيه، الأحزاب السياسية، دار النهار.

٣- صمويل هنتنجتون، النظام السياسي في مجتمعات متغيرة، دار التنوير للطباعة والنشر.

٤- سيمور مارتن ليبست، رجل السياسة: الأسس الاجتماعية للسياسة، دار الآفاق الجديدة. ترجمة خيري حمادة.

٥- ماكس فيبر، الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية.

٦- ماكس فيبر، السياسة كمهنة.

٧- كارل ماركس، الثامن عشر من بروميير.

٨- توماس شيلينج، استراتيجية الصراع.

٩- فيليب شميتر  ، الانتقالات من الحكم السلطوي: استنتاجات أولية حول الديمقراطيات

١٠- صمويل هنتنغتون، الموجة الثالثة: التحول الديمقراطي في القرن العشرين، دار سعاد الصباح.

١١- تيري لين كارل، مخاطر الدولة النفطية،

١٢- بندكت أندرسون، الجماعات المتخيلة.

١٣- تشارلز تلي، القسر والدول ورأس المال عبر التاريخ، دار الفارابي.

١٤- تشارلز تيلي، الحركات الإجتماعية ١٧٦٨-٢٠٠٤، المركز القومي للترجمة.

١٥- جيمس سكوت، المقاومة بالحيلة

١٦- كليفورد جيرتز، تأويل الثقافات.

١٧- ليزا وادين، السيطرة الغامضة: السياسة والخطاب والرموز في سوريا المعاصرة

١٨- إيرنست غيلنر، الأمم والقومية.

7 Responses

  1. سؤال هام انت تخصصك في البكالوريوس الهندسة الكهربائية ومن جامعة عريقة مثل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ما هو دافعك لدراسة الماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية؟ بالامكان أن يكون الشخص مفكرا واديبا مثل الدكتور راشد المبارك وهو في نفس مساره العلمي هل انت تقدم نفسك مفكرا ليبراليا أو قوميا تمثل منطقة القصيم لاسيما بعد افول تركي الحمد وإبراهيم البليهي تقبل تحياتي

  2. السلام عليكم كيف يمكن كتابة قصص تتحدث عن احداث سياسية أو طرح قضية مثل استبداد و حرب الأهلية ما ‏نصائح لكتابه في هذه المجال ؟

اترك تعليقاً