لؤي الشريف والصعود إلى أسفل

في هذا المقطع ذكر لؤي الشريف رأيه العجيب أن القرآن أعطى الروس والبولنديين الصهاينة أرض فلسطين، فقمت بالرد عليه بهذه التدوينة. بعد ذلك، كتب هو هذا المقال  ليرد على منتقديه ومعترضيه. قرأت مقاله، ووجدته ضعيفا جدا، مهلهلا، متناقضا، ويفتقر لأدنى أساسيات الكتابة المتسقة والتفكير المنهجي، فاستغربت أن يصدر هذا من شخص يدعي أنه باحث ومختص.
في تدوينتي، قلت إن كان لؤي الشريف جادا في اعتقاده بأن القرآن منح أرض فلسطين للبولنديين والروس الصهاينة المحتلين لأرض فلسطين، فعليه أن يثبت أمرا ويقبل أمرا:
١- عليه أن يثبت أن هؤلاء البولنديين والروس والأوروبيين الصهاينة هم وحدهم الأحفاد البيولوجيين العرقيين لنبي الله يعقوب.
٢- وعليه أن يرفض المبادرة العربية التي تسلب هؤلاء البولنديين والروس الصهاينة ٩٠٪ من أرض الميعاد بما في ذلك شمال السعودية.

فكيف ردّ لؤي الشريف على هذين الأمرين؟

ردّ لؤي الشريف الأول: بنو اسرائيل ليسوا بنو اسرائيل.

يقول لؤي أن الأبوّة في القرآن ليست أبوّة بيولوجية بل أبوّة عقدية. أي أن بنو اسرائيل ليسوا هم “أبناؤه البيولوجيين”، بل “أتباعه العقديين”. يعني أن أي شخص يتبع النبي ابراهيم فهو من ابنائه حتى لو كان صينيا أو ألمانيا، فالعرق والنسب ليسا هما المحددان للإنتماء بل العقيدة.

هذا الموقف يختلف عن ما قاله في مقدمة حديثه عندما قال: “الأرض المقدسة هي أرض للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، الفلسطينيين (الكنعانيين) بالأقدمية والإسرائيلي لأن أسلافهم دخلوها مع يوشع بن نون..”. فهو هنا يحدد بني اسرائيل بأنهم خلف- خلف بالمعنى البيولوجي- لأولئك الذين دخلوا الأرض المقدسة مع يوشع بن نون، وقبل قليل يقول لا يلزم أن تكون الأبوّة بيولوجية. فمرّة يجعل للصهاينة حق في فلسطين لأنهم (خلف) ليوشع بن نون ومن معه، وإذا طالبناه بالدليل على هذا النسب، قال لا يلزم أن يكون نسبا بيولوجيا، بل هو عقديا. والرد على هذا الكلام من وجهين:

١- دليل لؤي على أن الأبوّة تكون “عقدية” هي آية “أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذا قال لبنيه ماتعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك ابراهيم واسماعيل وإسحق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون“. فهو يقول: “فإسماعيل لم يكن أبداً أباً بيولوجياً للأسباط! إسماعيل هو عم اسرائيل وأخو اسحق”.

سأكتفي في الرد على هذا الاستدلال العجيب بنقل كلام الطبري (الذي يحب لؤي الشريف الإستشهاد فيه والاحتجاج به) فهو يقول عمن يفهم من الآية نفس فهم لؤي، بأن ذلك “قلة علم منه بمجاري كلام العرب . والعرب لا تمتنع من أن تجعل الأعمام بمعنى الآباء ، والأخوال بمعنى الأمهات“. وهذا ليس كلام الطبري لوحده، بل هو قول قوم كثر من المتخصصين بالتفسير واللغة مثل ابن كثير والبغوي والنحاس والقرطبي وابن عاشور. وفي الحديث، يقول الرسول عن عمه العبّاس “هذا بقية آبائي” وقال عن العباس: “ردوا علي أبي فإني أخشى أن تفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود“. فهل أبوّة العباس للرسول هنا أبوّة “عقدية”؟ لا يقول بهذا من لديه أدنى علم باللغات.

فإذا اقتنع لؤي بأن استدلاله باطل، فعليه أن يثبت لنا أن البولنديين والروس الصهاينة الموجودين في فلسطين هم من نسل النبي يعقوب، فإن لم يستطع، فعلى أي أساس يقول أن هذه الأرض من حقهم؟

٢- حتى لو فرضنا أن استدلاله بالآية صحيح، وأن الأبوّة عقدية ليست نسبية. فما هي (العقيدة) التي ينتسب لها بنو اسرائيل؟

فالآية التي استدل بها لؤي هي جزء من آيات متتالية بدأت بقول الله متحدثا عن أهل الكتاب: “وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى“. فجاء ردّ القرآن عليهم واضحا بأن “من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون“، ثم أشار القرآن إلى حقيقة تاريخية تؤكد بطلان قولهم وهي أن ابراهيم وإسماعيل ويعقوب لم يكونوا يهودا ولا نصارى. بل إن ابراهيم واسماعيل مسلمين إذ قالا: “ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك“، وقال أن الإسلام هو الوصيّة التي وصى بها إبراهيم أبناؤه: “لا تموتن إلا وأنتم مسلمون“، وهي نفسها الوصيّة التي أكدها أبناء يعقوب إذ قالوا: “نعبد إلهك وإله آباءك إبراهيم واسماعيل واسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون“. ولهذا السبب نجد الله يأمر نبيه بعد هذه الآية بأن يرد على من يقولون: “كونوا هودا أو نصارى تهتدوا” بأن يقول: “بل ملة إبراهيم حنيفا… قولوا آمنا بالله  وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون“.

فالإسلام ليس دينا جديدا جاء به محمد، بل هو إحياء لدعوة إبراهيم ويعقوب وموسى وعيسى وامتداد لها. ومن هنا نقول للؤي الشريف: إذا كانت “الأبوّة عقدية”، فهي، بمقتضى القرآن، “أبوّة الإسلام”، وليست أبوّة الديانة اليهودية. وهذا يعني أن “بني اسرائيل” العقديين هم المسلمون، فيعقوب لم يكن يهوديا بل كان مسلما على ملّة ابراهيم.

فإن كانت الأبوّة “نسبية” لزم لؤي إثبات أن الصهاينة الحاليين هم أبناء يعقوب (وهو الأمر الذي لن يستطيع إثباته)، وإن كانت الأبوّة “عقدية” فأتباع عقيدة يعقوب هم المسلمون وليس اليهود. فكلا القولين يؤديان لنتيجة واحدة: أن البولنديين والروس والأوروبيين الصهاينة الموجودين في فلسطين لا حقّ لهم بالأرض.

ردّ لؤي الشريف الثاني: حدود أرض الميعاد هي حدود مملكة داوود

في المقال السابق، ذكرت أن مجموعة من علماء اليهود يرون أن حدود أرض الميعاد يشمل شمال السعودية، وهذا يعني أن لؤي الشريف يؤمن بأن القرآن منح البولنديين والروس الصهاينة الموجودين في فلسطين الحق في احتلالها، وأن عليه أن يعارض المبادرة العربية من منطلق عقدي لأنها تناقض ما يأمره به دينه. ماذا كان رد لؤي الشريف؟ قام بالتذاكي عبر الخلط بين حدود مملكة داوود وحدود أرض الميعاد، ولكن هذا التذاكي سيوقعه في مشكلة جديدة. لنبدأ أولا بالنقطة الأولى، ثم ننتقل للمشكلة الجديدة.

١- في التوراة، وعد الله ابراهيم بقطعة أرض، وهذه الأرض اسمها “ارض الميعاد”. وهذه الأرض ليست هي نفسها حدود مملكة داوود، فهذه الأخيرة هي حدود جزء من أرض الميعاد، وهو الجزء الذي استطاع داوود وقومه السيطرة عليه واستيطانه. أما حدود أرض الميعاد فقد وضحتها التوراة في ميثاق الله مع إبراهيم، ففي سفر التكوين، في الإصحاح الخامس عشر، في الآيات من ١٨-٢١، نجد التوراة تقول: “18 في ذلك اليوم قطع الرب مع ابرام ميثاقا قائلا: «لنسلك اعطي هذه الارض، من نهر مصر الى النهر الكبير، نهر الفرات19 القينيين والقنزيين والقدمونيين 20والحثيين والفرزيين والرفائيين 21 والاموريين والكنعانيين والجرجاشيين واليبوسيين»”.

فضمن هذه الحدود التوراتية لأرض الميعاد، فإن شمال السعودية يقع ضمن حدود “الأرض المقدسة”، وبالتالي على لؤي الشريف أن لا يجادل في الحق، وأن يعلن عقيدته بضرورة إعطاء نصف سوريا ونصف العراق وشمال السعودية والاردن ولبنان وسيناء للبولنديين والروس الصهاينة في فلسطين، وأن يعلن معارضته للمبادرة العربية التي تحرم الصهاينة من ٩٠٪ من أراضيهم التي أعطاها إياهم القرآن بحسب رواية لؤي الشريف.

٢- حتى لو فرضنا أن حدود الأرض هي حدود مملكة داوود ا(أو حدود استيطان قومه) التي ذكرها لؤي الشريف. فكيف يكون مؤيدا للمبادرة العربية التي تحرم الصهاينة من الضفة الغربية وغزة؟ فحدوده التي وضعها تجعل هذه الأراضي لليهود، ولؤي الشريف يقول أن “ربنا وربكم وإلهنا وإلهكم” منح هذه الأراضي لهم، فكيف الآن يقبل بمبادرة تتعارض مع إسلامه وإيمانه؟

فإن كان إسلامه “مرنا” لهذه الدرجة بأن يحرم الصهاينة المساكين من الضفة وغزة، فلماذا لا يكون “مرنا” أكثر ويطالب بالأرض كاملة للشعب الذي يقر بأنه تعرض لجرائم وتهجير وتطهير عرقي وعنصرية ؟

 

5 Responses

    1. كتبها سلطان العامر في تدوينته السابقة في الرد على لؤي، وهو أن الأمر مرهون بالإيمان والعمل الصالح، فبهما تُستَخلف الأرض، فالأرض أرض الله والحكم حكمه. وهنا نجد أن المسلمين هم الأحق بالأرض.

  1. السلام عليكم أستاذ سلطان
    المعذرة على الكتابة في الموقع الخاطئ لكن بما اننا في اهتمام بلبنان و الحريري و بنفس الوقت بموضوع التطبيع الاسرائيلي… هل لك ان تقوم بمراجعة الحرب الأهلية اللبنانية و تناقش الجانب الفلسطيني في هذا الحرب و عن الاجتياح الاسرائيلي و المقاومة المشرفة للبنانين. اتوقع ان مثل هذه القصص تثير حماس العرب و تعرف بمعاناة الفلسطيني لمن أراد التطبيع.
    مع جزيل الشكر..

  2. ولو انكر شخص هذه الايات فهل يعتبره اليهودي لؤي مؤمن

    إن قال نعم فكيف يدعي هو الايمان بالقرآن

    وإن قال لا فكيف يستشهد بالقرآن وقد كذبوه القوم

    فيسقط امره في الحالتين

اترك تعليقاً