خمسة أفلام حول ألمانيا: لفهم الظواهر السياسية الحديثة

لماذا ألمانيا؟

أعتقد أن التاريخ السياسي لألمانيا في القرن العشرين هو محور تاريخ هذا القرن. فلولا النازية لم تكن الصهيونية، ولولا الهولوكوست لم تقم اسرائيل، ولولا الحرب العالمية الثانية لم ينشأ النظام العالمي الثنائي القطب، ولولا انهيار جدار برلين لم ينشأ النظام العالمي الأحادي القطب. تجربة الدولة في ألمانيا تشكلت بكافة الأشكال: جمهورية فايمر الديمقراطية التي آلت إلى دكتاتورية نازية قدمت النموذج الأساسي للدول الشمولية، ثم إنشطار الدولة إلى ألمانية شرقية شيوعية وغربية ديمقراطية تميل إلى اليمينية: في الأولى ينتحر الفنانين والمبدعين والكتاب لانسداد الحرية، وفي الثانية يتحول الأحرار إلى إرهابيين بسبب زيف الحرية. تاريخ ألمانيا: مدرسة سياسية. وهذا خط تاريخي لأهم الأحداث في التاريخ الألماني:

١٨٧١: تم إعلان توحيد الامبراطورية الألمانية. التي بدأت محاولاتها الحثيثة باللحاق بركب الدول المتقدمة مثل إنجلترا وفرنسا، ومحاولة تدشين مستعمرات لها خارج أوروبا.

١٩١٤: اغتيال ولي عهد النمسا في سراييفو، مما أعلن بداية الحرب العالمية الأولى. كانت الحرب بين قوى الوسط (الامبراطورية الألمانية، والامبراطورية النمساوية، والامبراطورية العثمانية) ضد قوى الوفاق (روسيا، فرنسا، اليابان، إنجلترا… وأمريكا فيما بعد). انتهت هذه الحرب بتفكك الامبراطوريات الكبرى (الثورة البلشفية في روسيا، تفكك العثمانية والنمساوية والبروسية)، وكذلك خروج الولايات المتحدة الأمريكية من عزلتها.

١٩١٨: نهاية الحرب، وثورة نوفمبر ١٩١٨، واتفاقية فرساي التي قادت إلى تحول ألمانيا إلى دولة جمهورية، عرفت بجمهورية فايمر.

١٩٣٣: وصول هتلر للحكم، وإعلان حكم الطوارئ وتأسيس الدولة الشمولية في ألمانيا (إلغاء الأحزاب، حل البرلمان، إلغاء الحكم الذاتي للولايات التسع، أحكام بالإعدام للأعداء السياسيين…).

١٩٣٩: بداية الحرب العالمية الثانية.

١٩٤٥: هزيمة ألمانيا في الحرب، وتقسيمها إلى دولتين: ألمانيا الشرقية الشيوعية الخاضعة للنفوذ السوفييتي، ألمانيا الغربية ذات الحكم الديمقراطي والخاضعة للنفوذ الأمريكي.

١٩٨٩: انهيار جدار برلين الذي يفصل بين الدولتين، وتوحدهما في دولة واحدة عام ١٩٩٠، مما دشن العمل على نشوء الاتحاد الاوروبي.

وكما نشاهد أن كافة أنواع الظواهر السياسية قد عايشتها هذه الدولة (كونفدرالية، شمولية، جمهورية، وحدة، عداء السامية (عنصرية)، انقسام، ثورة، حروب..إلخ)، مما يجعل أي تناول لجانب من جوانبها التاريخية قصة لوحده. وونظرا لكل هذه الأهمية، فسأقدم فيما يلي خمسة أفلام تتناول جوانب أعتقد أنها تلامس شيئا من واقعنا العربي:

١- Valkyrie: في فهم الإنقلاب العسكري

فالكيري عنوان معزوفة عظيمة لفاجنر. وهذا الفلم  الذي يقوم ببطولته توم كروز، يحكي قصة محاولة إنقلاب عسكري  حقيقية فاشلة ضد هتلر مستغلة عملية عسكرية تحمل نفس إسم المعزوفة. العملية حدثت في آخر العهد الهتلري وقبيل أشهر من سقوط ألمانيا النازية. يعرض الفلم جوانب متعددة من الطبيعة البيروقراطية الصلبة للنظام، لتعقيدات العملية الانقلابية والثغرات المتنوعة الموجودة فيه. بالنسبة لي أرى في هذا الفلم أنه في أشد حالات الدولة شمولية وأحادية إلا أن في النظام نفسه عناصر تقدم مصلحة الدولة على النظام وتعمل من أجل ذلك حتى وإن بدت في الخارج على أنها عناصر تابعة للنظام. كما يبين الفلم الدور الذي تلعبه العناصر الانتهازية في التأرجح مع “من غلب.

هذه اللقطات الأخيرة من الفلم…

http://www.youtube.com/watch?v=5ECC5GlwfXE&feature=related

٢-  Schindler’s List :في فهم العنصرية

هذا الفلم أهديه لكل أولئك الذين يشجعون على كراهية الشيعة من السنة، والذين يشجعون على كراهية السنة من الشيعة، إلى كل أولئك الذين يتنادون فيما بينهم لمقاطعة تجارة إخوانهم وشركائهم في الوطن.

كانت الدعاية النازية موجهة بشكل رئيسي ضد اليهود، واعتبارهم أحد أسباب تخلف ألمانيا وعن دورهم المؤامراتي في حياكة أحداث التاريخ، وكان النص الأساسي الذي اعتمدت عليه النازية لمهاجمة اليهود هو نص “بروتوكولات حكماء صهيون” وهو نص مختلق كتبه أحد القساوسة الروس للتحذير من خطر اليهود.

يحكي هذا الفلم قصة حقيقية لأوسكار شيندلر، التاجر الألماني الذي كان يستغل العمال اليهود من أجل تحقيق الكثير من الأرباح عبر تصنيع الكثير من الأدوات التي يحتاج إليها الجيش الألماني في حروبه، أي أنه كان يستغل التمييز ضد اليهود من أجل تسخيرهم مقابل أن يحافظوا على حياتهم من أجل توفير احتياجات الدولة التي كانت في حالة الحرب (قرر الألمان أن كل من ليس صالحا للعمل لا يستحق الحياة، ويتم التعامل معه كـ”فم غير منتج” وبالتالي تتم تصفيته، وبناء على هذا تم تصفية العديد من اليهود والشيوخ والمعاقين).

يعكس الفلم مفارقة الدولة الحديثة كأفضل ما يكون: الدولة التي تحتاج لاضطهاد من يتم تصنيفهم “ليسوا جزءا من الأمة” من أجل الحفاظ على وحدة وتلاحم الأمة، والدولة التي تحتاج لخوض الحروب التوسعية من أجل تقوية الدولة.

يعكس الفلم أيضا “تفاهة العنصرية”، كيف أن القتل يصبح فعلا عبثيا دافعه الكراهية. تقول إحدى اليهوديات في شكواها لشندلر من الحاكم العسكري: “لا يهمنا أن يتم اضطهادنا، مشكلتنا تتمثل أن هذا الاضطهاد ليس منظم، لا يعرف أحدا مالذي عليه أن يتجنبه حتى لا تتم معاقبته، نحن نقتل لأننا يهود ليس لأننا نخالف القانون”.

وبعد أن يحقق أوسكار أرباحا هائلة من تجارته، تدفعه أهوال العنصرية التي شاهدها بأن يقوم بإنفاق كل هذه الثروات من أجل حماية من يستطيع حمايته من اليهود. وبغض النظر عن كونه ملحمة انسانية عظيمة، فإن المونولوج في الفلم يحتوي على نقاشات متنوعة عن جوانب كثيرة من أفكارنا عن الطبيعة البشرية، العنصرية، القوة، الحرب…إلخ، هذا أحد المشاهد التي يتناقش فيها أوسكار مع الحاكم العسكري عن مفهوم القوة (الحاكم يقول أنها “التحكم بالآخرين”، بينما شندلر يراها “بأنها عندما يكون كل المبررات بأن نقتل، لكننا حينها نعفو”):

٣- Downfall: في فهم الإستبداد

يحكي هذا الفلم الأيام الأخيرة للنظام النازي في ألمانيا. كيف كان يفكر “الفوهرر” في أيامه الأخيرة؟ ما مدى احساس هذا الرجل الذي تسبب بحرب مات فيها قرابة الخمسين مليون إنسان للمسؤولية؟ إنه لأمر مذهل أن تتعرف على طريقة تفكيره، على مدى استهانته بشعبه، واحتقارهم له. عندما قال له أحد الجنرالات لنستسلم من أجل الشعب، أجاب “إنهم يستحقون ما سيحدث لهم”، فسرها جوبلز “هم من أعطونا تفويضا بالدفاع عنهم فليتحملوا نتيجة تفويضهم”. وكيف أنه وبكل سهولة، عندما خرب الارض، تجرع السم وانتحر…

الفلم ليس “هوليودي” بل هو ألماني، واعتمد على الكثير من المذكرات والحقائق لكثير من اتباع هتلر، الذين بقوا على قيد الحياة. تستطيع وأنت تشاهد الفلم أن تقيس عليه كيف كان يفكر حسني مبارك مثلا في أيامه الأخيرة، وأن تفهم أكثر جنون العظمة التي ينضح بها معمر القذاقي هذه الأيام.

٤- The Baader-Meinhof Complex: في فهم الإرهاب

في نهاية الستينات، نشطت مظاهرات حاشدة للطلاب في أرجاء العالم، تتركز حول العام ١٩٦٨، ولم تكن ألمانيا الغربية مستثناة منها. كان في ألمانيا الغربية حينها قواعد عسكرية أمريكية، وكانت المظاهرات الحاشدة تندد بالامبريالية العالمية، والحرب الأمريكية على فيتنام، ودعم إسرائيل ضد الأمة العربية، ودعم شاه إيران وتحرير المرأة وغيرها.

كانت الحكومة في ألمانيا الغربية تدار من قبل “نازيين سابقين” وكان الإعلام مسيطر عليه يمينيا، وتم حل الحزب الشيوعي، وإصدار قوانين لمكافحة “الراذيكاليين” تتضمن فيما تتضمن فصل كل من لديه آراء سياسية مشبوهة من العمل في القطاع العام. وبعد أن تم اغتيال أحد قادة الشباب، علق أحد هؤلاء قائلا: “إنهم يريدون قتلنا جميعا. أنت تعلم أي خنازير نواجهها. إنهم جيل “الهولوكوست”، أنت لا تستطيع مناقشة جيل قام بجريمة الهولوكوست. هم لديهم أسلحة، ونحن لا نملك. علينا أن نسلح أنفسنا”.

وكنتيجة لقمع المظاهرات السلمية، وانسداد الفضاء الحر، والتضيييق، لجأ بعض هؤلاء الشباب لتحقيق ما يرونه عدالة عبر “العنف”، وهكذا تشكلت منظمة “فصيل الجيش الأحمر”، إحدى الفصائل الإرهابية الأشد خطرا في أوروبا منذ ١٩٧٠-١٩٩٨. هكذا نرى أن “العنف” ليس وسيلة للأشرار فقط، بل حتى الأخيار يلجأون إليه، وغالبا ما يكون “عنف الخير” أشد ضراوة وتدميرا من “عنف الشر”. يوجد البشر فيما بينهم وسائل قانونية ونظامية من أجل تنظيم تعايشهم مع بعضهم، حتى في حال حدوث جرائم ومآسي، يقبل جميع الأطراف اللجوء لما اتفقوا عليه من قوانين وانظمة لحل مشاكلهم. ليس بالضرورة أن يكون حكم القانون مطابقا للعدالة، لكن ولأن “البشر لا يستطيعون بناء مؤسسة لتحقيق العدالة” فهم يبنون قوانينا تهدف قدر الإمكان للوصول إلي هذه العدالة. لكن بمجرد ما يساء استخدام هذا القانون، مجرد ما يشعر أحد الاطراف أن الطرف الآخر يوظفه لصالحه، أن هناك من هو فوقه، يتم خدش حس العدالة لديهم ويسعون لتحقيقها بأيديهم فورا، ولا يعترفون بالاجراءات المطولة والمعقدة التي يسلكها القانون في سبيل تحقيق العدالة، فيلجأون للطريقة الأسهل: العنف. هكذا كان الأمر مع “روبن هود” الذي كان يسرق من الغني ليطعم الفقير، هذا ما حدث مع النبي موسى عندما قتل قبطيا من أجل إنقاذ مظلوم، هذا ما حدث مع عروة بن الورد والصعاليك، وزورو وغيرهم الكثير من “الخارجين على القانون” من أجل تحقيق العدالة.

يتناول هذا الفلم قصة الجيل الأول من هذه المنظمة الإرهابية، بكثير من التفاصيل التي تعكس المسألة بالطريقة التي كانوا ينظرون بها إلى العالم.

٥- The Lives of Others: في فهم “المباحث”

أحد أهم عناصر الدولة البوليسية: هو جهاز المخابرات. وجهاز المخابرات هو الأداة التي من خلالها تبيح الدولة لنفسها اختراق خصوصية الأفراد ومراقبتهم من أجل قياس “معدل الولاء لديهم”، يتم قياس هذا المعدل عبر رصد كل كلمة تقال، كل كلمة تكتب، كل نقاش يدور، الاشتباه في أي تجمع، التخوف من أي عمل فني. لينتهي الأمر بكل هؤلاء الأشخاص المبتلين بوعيهم إلى أن يختاروا الانتحار كمهرب من كل هذا الكبت الذي هم يعيشون فيه. في هذا الفلم الذي تدور أحداثه في ألمانيا الشرقية، دولة الحزب الواحد الشيوعية، يتم تكليف أحد رجال المباحث بمراقبة كاتب مسرحي.

هذا الرجل صادق الولاء للحزب يتعامل مع الموضوع بقناعة عقدية صادقة، وبالتالي استهدافه لأعداء النظام لا ينطلق من عداء شخصي أو موقف، بل من القناعة الراسخة لديه بتهديدهم للنظام. عندما تم تكليفه بمتابعة هذا الرجل، دخل إلى منزله ونشر أجهزة التجسس في كل مكان، وبعد فترة من المراقبة اكتشف أن الهدف من الاطاحة بهذا الكاتب هو أن رجلا نافذا من الدولة يريد التخلص منه لأنه يحب عشيقته. يقع رجل المباحث الآن في صراع: بين اكتشافه لحجم استخفاف كبار رجال الدولة بالعقيدة الرسمية للحزب الدولة، وبين واجبه في الحفاظ على النظام ومراقبة المارقين عليه.

كل مشهد من الفلم قصة لوحدها، وفيه يرى رجل المباحث كيف أن الحرص على الدولة وأمنها يقع على عاتق هؤلاء الذين يراقبهم، ضد من هو تحت إمرتهم… وبمجرد أن تتجلى لديه هذه القناعة، يتحول هذا “الشيطان” إلى “ملاك”.

أحد المشاهد المهيبة في الفلم هو مشهد أرشيف الملفات. أرشيف ضخم تحمل فيه الدولة ملفا ضد كل شخص، فيه معلومات كثيرة عنه… وكيف صدم صاحبنا الكاتب بعد سقوط جدار برلين وعندما طلب الملفات المكتوبة ضده، جاؤوا إليه بكمية كبيرة من الملفات.

هذا المشهد الذي يكتشف فيه الكاتب المسرحي كيف أن بيته كان محاطا باجهزة التنصت:

http://www.youtube.com/watch?v=eIfvEwW04kg&feature=related

مشاهدة ممتعة للجميع

7 Responses

  1. يمكن أن نضيف فيلم: The Reader: ليس كل شرير شريرا.. حتى لو كان نازي وشرير!! شاهدت The Lives of Others وكان أليماً. قائمة موفقة

  2. من العنوان توقعت اني شفت اغلب الافلام وتكهنت بمضونه لكن العكس ما حدث

    اختير جيد للافلام و توقيت موفق وان اختلفت مع الفلم الاول واستحقق بعض الافلام للقائمة ولكن كلامك في محله عن المانيا العظيمه

    افلام جديدة سوف تضاف الى قائمتي

  3. تدوينه جميلة
    وسرد سياسي من منظور تاريخي وسينمائي
    فالسينما عباره عن روايه مصوره
    يطرح من خلالها مؤلف الفليم نظرته للأحداث
    ويريحه المخرج عناء حبكه القصة وهي تتحرك أمام أعين المشاهدين
    هناك فيلم ألماني-نمساوي ، عن اللحظات الأخيره لهتلر وأسمه Der Untergang وبالإنجليزيه downfall
    http://www.youtube.com/watch?v=Bp1RXmM1-60

    دمت بود

  4. قائمة مميزة ، و ستكون أكثر تميزا بالتأكيد لو أضيف إليها الفيلم الألماني الرائع Goodbye Lenin “وداعا لينين”
    حول تحولات ما قبل و ما بعد سقوط جدار برلين في حياة عائلة صغيرة…

    هنا دعاية الفيلم:

    http://www.youtube.com/watch?v=FEumLZxlQzY

    و هنا واحد من أجمل مشاهده و أكثرها تأثيرا

    http://www.youtube.com/watch?v=v7kikj3KKZQ

  5. عبارة “المبتلين بوعيهم”اضحكتني كثيرا
    أحييك على هذه الاطلالة المواكبة، وأتمنى منك خلال تفاعلك مع التعليقات أو من خلال مقال مستقل أن تلقى الضوء على أن الوعي الفكري والفلسفي في المانيا “مدرسة فراكنفورت نموذجا،” قد يوازيه عنجهية سياسية رغم ربط البعض بأن هتلر هو نتيجة الانسان المتفوق عند نيتشه، وقد يقودنا ذلك إلى أن فرانكفورت استمرت في العمل والتأثير بسبب منهجية النظرية والتطبيق، بينما هتلر كان أخذ النظري وغرق أخيرا في تطبيقاته.
    أعذرني على الاسهاب لكن هذه الفواصل التاريخية قد تقدم وعي لواقعنا في غاية الأهمية، ولعل فيه مايحرك قلمك
    تقبل كل دعوات الساعدة

  6. الافلام كلها رائعه
    فيه فيلم مؤثر جدا مشابه للافلام الموجوده في القائمه The Boy in the Striped Pajama

اترك رداً على أشرف إلغاء الرد